الحروف، مع تحقيق الحروف بأدائها من مخارجها وعلى صفاتها، وهي أمورٌ إذا لاقَحَتْ موهبة فطرية، وطبيعةً طَيِّعةً، مع دربةٍ وممارسة، وتثقيف، وحسن تأتٍّ، مع جمالٍ فطريّ للصوت، وسلامةٍ لأعضاء النطق، وتأثّر القارئ بما يقرأ، كان منها تلاوة هي الغاية في الإيقاع والسلاسة، من دون نكير أو نشازٍ، وهذا من مقاصد القراءة "ليس مِنّا من لم يتغنَّ بالقرآن" (١) و "ما أَذِن الله لشيء كأَذَنِهِ لنبيٍّ حَسَنِ الصّوتِ أن يتغنَّى بالقرآن" (٢).
وهذا لا يقلّل من أهمية اللغة أصواتاً وبنية وتركيباً في تحقيق الإيقاع في القراءة، بل هي شرط لا يمكن أن يتحقّق إيقاعٌ بدون الأمور اللغويّة المذكورة وقد أدرك القرّاء ذلك ووعوه، فقاموا به على وجهه.
أمّا ألفاظ القرآن فهي ميدانٌ برزتْ فيه صلةُ علوم اللُّغة بعلوم القرآن بأجلى معانيها؛ "إِذْ في القرآنِ ألفاظٌ تسمَّى الغريب أو الغرائب، لا من جهة نكارةٍ في لفظها، أو شذوذٍ في بنيتها، أو استكراهٍ لمعناها، لأنّ القرآنَ نزل بأحلى لغة العرب لفظاً، وأجملها صوتاً وأوفاها تركيباً، وبأوضحها دلالة في المعنى، وإنّما يراد بوصف الغرابة أن تكون حَسَنةً مستغربةً في التأويل، بحيث لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس" (٣).
(٢) الحديث عند البخاري، الصحيح الجامع، كتاب فضائل القرآن، باب "من لم يتغنَّ بالقرآن" ٩ / ٦٠ - ٦١ وكتاب التوحيد باب قول الله تعالى ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ وباب قوله ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ ومسلم كتاب صلاة المسافرين باب (استحباب تحسين الصوت بالقرآن) ١/٥٤٥ رقم الحديث (٧٩٢) ورواه من أصحاب السنن أبو داود والنسائي.
(٣) الرافعي، تاريخ آداب العرب ٢ / ٧١.