وقد أسهم أهل العربيّة في هذا الجانب، وأبدعوا فيه، ولا غرو في ذلك، فهذا الجانبُ أقربُ الجوانب إلى إبداعهم، وهو أقربُ الميادين إلى ميدانهم، بل هم فرسانه، وأصحاب الكلمة فيه، يتّضح هذا من نظرةٍ عجلى في بداية التصنيف في الغريب، أو في كلماتِ القرآن وألفاظه.
ومن تقرير الحقيقة أن نقرِّر أنّ ظهور التأليف في غريب القرآن، وألفاظه، وكلماته، تُعَدُّ البداية الحقيقيّة، أو بداية نشأة التأليف في معجم العربيّة، بل كان "تفسير غريب القرآن ومشكله أولى الحركات العلمية التي رآها العرب، ورأى بعضُ من فسَّر الغريب أنّ كثيراً منه غريبٌ عن الأفهام؛ لأنّه ليس من لغة قريش، وإنّما جاء في القرآنِ من لغاتِ القبائل الأخرى، فأشار إلى ذلك، وسمع بعضهم الآخر ممّن اختلط بهم من أهل الكتاب، ومن أهل البلادِ القريبةِ من الحجاز، ومن أهل الأقطار المتاخمة لبلاد العرب، والتي دخلت تحت سيطرة الإسلام، أنّ بعض هذه الألفاظ موجودٌ في لغاتٍ أخرى، فأشاروا إلى ذلك، فكأنّما جمعت هذه المحاولات الأولى بين تفسير الغريب، والمشكل، والإشارة إلى أصله في اللّغات القبليّة والأجنبيّة، وكانت هذه المحاولاتُ العين التي استقى منها اللُّغويُّون بعد، وسبحوا فيما خرج منها من جداول، أصبحت أنهاراً" (١).
إنّنا لو رجعنا إلى تاريخ التأليف في ألفاظ القرآن لوجدنا مثل ما يعزى إلى ابن عبّاسٍ ت ٦٨ هـ‍ وكتاب أبان بن تغلب (ت ١٤١ هـ‍) وكتاب محمد بن السائب الكلبي الكوفي (ت ١٤٦ هـ ‍) وعبد الرحمن ابن محمد الأزديّ الكوفيّ

(١) نصّار، حسين، المعجم العربي نشأته وتطوّره / دار مصر للطباعة / القاهرة / ط الثانية / عام ١٩٦٨ م ص ٣٢.


الصفحة التالية
Icon