"ديوان الأدب": "وقد أنشأت بتوفيق الله (تعالى)... كتاباً عمِلْتُ فيه عملَ من طَبَّ لمن حَبَّ، مشتملاً على تأليفٍ لم أسبقْ إليه، وسابقاً بتصنيفٍ لم أُزاحَمْ عليه، وأودعْتُه ما استعمِلَ من هذه اللُّغة، وذكره النّحارير من علماء أهل الأدب في كتبهم، ممّا وافق الأمثلة التي مُثِّلَتْ، والأبنية التي أوردت، ممّا جرى في قرآنٍ، أو أتى في سُنَّةٍ، أو حديثٍ، أو شعرٍ، أو رجزٍ، أو حكمةٍ، أو سجع، أو مثل، أو نادرة.
فأمّا القرآن فوحيٌ أو حاه الله تعالى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مع رُوحِ القدسِ بلسانٍ عربيّ مبين، وهو كلام الله، وقول الله، وتنزيل الله، مفصّلاً فيه مصالح العباد في معادهم ومعاشهم، ممّا يأتون ويذرون، ولا سبيلَ إلى علمه وإدراك معانيه إلا بالتبحُّر في علم هذه اللُّغةِ " (١).
وقد "نزل القرآن الكريم، والمخاطبون به قومٌ عرب، أولو بيانٍ فاضل، وفهمٍ بارع، أنزله (جَلَّ ذكره) بلسانهم، وصيغة كلامهم الّذي نشؤوا عليه، وجُبلوا على النطق به، فتدرّبوا به، يعرفون وجه خطابه، ويفهمون فُنونَ نظامه، ولا يحتاجون إلى تعلّم مُشْكِلِه، وغريب ألفاظه، حاجةَ المولَّدين النّاشئين فيمن لا يعلم لسانَ العرب حتّى يُعَلَّمَه، ولا يفهم ضُروبَه وأمثاله، وطرقه، وأساليبه حتّى يُفهَّمَها.
وبيَّن النَّبيُّ ﷺ للمخاطبين من أصحابه رضي الله عنهم ما عَسى الحاجَةُ إليه من معرفةِ بيانٍ لمجمل الكتاب وغامضه، ومتشابهه، وجميع وجوهه التي لا غنى بهم وبالأُمَّةِ عنه، فاستغنوا بذلك عمّا نحن إليه محتاجون، من معرفة لغات

(١) الفارابي، إسحاق بن إبراهيم (ت ٣٥٠ هـ) ديوان الأدب، تحقيق د. أحمد مختار عمر / القاهرة عام ١٣٩٥ هـ، ١ / ٧٢ - ٧٣.


الصفحة التالية
Icon