وقد كان الدَّافع الدّينيّ لهذه الأعمال اللُّغويَّة بارزاً واضحاً من كلماتهم، وعملهم، حتّى صار هذا الدّافع شعاراً يمتاز به التصنيف اللُّغويّ العربيّ، الّذي يخالِفُ كُلَّ تصنيفٍ لغويّ آخر في لغةٍ أخرى.
وأنت لو أردت أن تأخذ التصنيف اللُّغويَّ بمعزلٍ عن القرآن وعلومه والشرع وأحكامه، ما استطعْتَ؛ لأنّ هذه العلومَ قد تمازجت، وانفتح بعضها على بعض، وأصبح بعضها يفضي إلى بعض، ويخدم بعضها بعضاً.
وقد بلغ الأمر أن يعتقد أهل الإسلام أنّ علوم الإسلام لا تكمل إلاّ بعلم لغة القرآن، وفهم أساليب العرب في خطابها وحديثها، وهي عقيدة أيَّدتها الشواهد والأدلة، ومسالك علماء الأمصار في مختلف الأقطار، كلُّهم يجمعون على ذلك، ويردون ما سواه، وفي هذا ردٌّ على فئةٍ تدعو إلى عزل اللغة وعلومها عن القرآن وعلومه، زاعمة أن اللغة يمكن أن تقدّم لغير المسلمين، وحينئذٍ يصعُبُ إلزامُهم بالمعاني والقيم الإسلامية، وهي دعوى مآلها تجريد العربية وعلومها من روحها الحيَّةِ النّابضة، وسلخها من أُسِّ مقوّماتها وأمتنها.
ومن أنماط ألفاظ القرآن ما يسمَّى الوجوه والنظائر، وهو فرعٌ من فروع التفسير، ويقصد بالوجوه اللّفظ المشترك الّذي يستعمل في عِدَّة معانٍ كلفظ الهدى، له سبعة عشر معنىً في القرآن والنظائر الألفاظ المتواطئة التي تستعمل بمعنىً واحدٍ، مثل جوادٍ وكريم (١). وكأن الأوّل من باب المشترك

(١) الزركشي، محمد بن عبد الله (ت ٧٩٤ هـ) البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم / الناشر عيسى الحلبي / القاهرة ١ / ١٠٢ وينظر أيضاً مقدمة تحقيق الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان (ت ١٥٠هـ) لمحققه د. عبد الله شحاته ص ٨٤ وانظر الدراسة المفصّلة التي كتبتها محقّقة كتاب" التصاريف تفسير القرآن ممّا اشتبهت أسماؤه وتصرَّفَتْ معانيه " لهند شلبي ص ٢٨ فما بعدها وقد ذكرت المؤلفات في هذا الفنّ.


الصفحة التالية
Icon