المتأخرين من إعراب كُلِّ كلمةٍ في القرآن، فهذا أقرب إلى العبث، وهو إخراجٌ للقرآن عمّا أنزِلَ من أجله.
والملحوظ أنّ النحويّين يتباينون حين تناول إعراب القرآن، فمنهم من يحشد لجمع أكبر عددٍ من أوجه الإعراب الممكنة والمفترضة، بل المحالة، ومنهم من يسلك طريقاً أقربَ إلى القصد، فلا يتّسع في إيراد الأقوال إلاّ بقدر، ومنهم من يربط هذا الاتّساعَ بصحّة المعنى، واستقامة التركيب، وتحقُّق القصد، وهذا أقربُ إلى بيان القرآن؛ إذْ من الضّروريِّ مراعاةُ الجوانب البلاغيّة والأسلوبية عند التخريج النحويّ، وذكر الأوجه الممكنة في الإعراب، فلا يكفي لصحّة الإعراب استقامة التخريج النحويّ، وهو أمرٌ النحاةُ بحاجةٍ إلى تطلّبه والبحث عنه، وعدم الغفلة عنه، وليتهم يبحثون حين تخريج الآيات على أوجه الإعراب عن أعلى الوجوه بلاغةً، وأرفعها فصاحةً، وأقواها بياناً، فلا يكتفى بمجرَّد الجواز والإمكان، الّذي إن قبلناه في كلامِ الأعراب والشعراء، فلا ينبغي لنا أن نقبله في كلام الله.
ثمّ إنّ الاشتغال بالتكثر من أوجه التخريج والإعراب، وترجيح بعضها على بعضٍ قد يشغلنا عن “معاني القرآن”، ويجعل ما نقوم به أقرب إلى درسٍ في الإعراب، لا يكادُ يتّصل بالقرآنِ، وهو يُعْرِبُ القرآن.
وهناك فنٌّ من التأليف حول القرآن يُعْنى بوقوفه، وابتداءاته، وهو شديد الارتباط بالدّرس اللُّغوي؛ لأنه يتّصل بالمعنى المراد، أو بالصنعة اللفظية، والأدب، والحكم النّحويّ، وقد تتوقَّفُ عليه أحكامٌ شرعيّة.
وألّف في هذا الفنّ جماعة من أهل العربية، منهم أبو بكر بن الأنباري (ت ٣٢٨ هـ‍) ألّف كتاب “إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله


الصفحة التالية
Icon