المسلمين باللغة العربية خدمة للقرآن كفاية.
وبعد، فقد آن لنا أن نثني عنان القلم بالقول:
إنَّه لا يمكن المسلمين أن يقيموا دينهم، أو أن يفهموا قرآنهم من غير استعانةٍ باللغة العربية، وإنه لولا القرآن لما تقدّمت علوم العربية، وتميّزت عن غيرها من علوم اللّغاتِ الأخرى، ولما كان فيها الأنماط التي مازتها عن غيرها، بل إنّ بعض أنماط علوم العربيّة لولا القرآن ما كانت ولا وُجِدتْ، ولا فَكَّر فيها أحد.
وإنّ هناك فئة تحاوِلُ فصل الأُمَّةِ عن دينها بحيلة بَتِّ صلة اللغة العربية بالقرآن والحديث، وإبعاد علوم العربيّة عن الصبغة الدينيّة، ويتظاهرون مع ذلك بحبِّ العربيّة، والحرص على تعليمها، لكن بشرط أن تفصل عن العلوم الشرعية، وأن لا يكون للدين وتعليماته هيمنة عليها، فظهرت دعواتٌ إلى إقامة أقسامٍ للعربيّة على هذه الأسس، تربِّي أبناءها على غير لغة القرآن، وإن كتبت بالحرف العربيِّ، ويدرسون غير لغة القرآن، وإن سمّوها بعلومٍ عربيّة.
إنّ هناك حرباً يستهدف بها القرآن؛ لكنّها لا تستطيع أن تخلع قناعها وتهجم على ما تريد مباشرة، لأنّها سوف تُرَدُّ وتُصَدُّ، فيصرفون حربهم إلى لغة القرآن، فيحاربون كُلّ لسانٍ يحاكي بيان القرآن في جزالته، وفصاحته، ويستبدلون بذلك كُلَّ أسلوبٍ فجّ، وتركيبٍ ركيكٍ، وهم في ذلك لا يحاربون نمطاً من أنماط التعبير، ولا يحاربون اللّغة العربيّة نفسها، ولكنّهم يعلنون حرباً ضروساً على القرآن (١).

(١) ينظر كلمة لشكيب أرسلان، ضمن كتاب “ تحت راية القرآن ” للرافعي ص ٣٥.


الصفحة التالية
Icon