قُلْتُ: لَيْسَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ وَقَوْلُهُ ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يرم به بريئا﴾ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ لَفْظِهِ أَوْ هِيَ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ فَمَنْ جَعَلَهُ نَظِيرَ هَذَا فَلَمْ يُصِبْ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ
وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا اقْتَضَى إِعَادَةَ الضَّمِيرِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَعَادَهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ وَمُؤَنَّثَةً لِأَنَّهَا أَجْذَبُ لِقُلُوبِ الْعِبَادِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ مِنَ اللَّهْوِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِهَا أَكْثَرُ مِنَ اللَّهْوِ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ نَفْعًا مِنَ اللَّهْوِ أَوْ لِأَنَّهَا كانت أصلا واللهو تبعا لأنه ضرب بالطبل لِقُدُومِهَا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَأَعَادَهُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْإِثْمِ رِعَايَةً لِمَرْتَبَةِ الْقُرْبِ وَالتَّذَكُّرِ
الْخَامِسُ: قَدْ يَذْكُرُ شَيْئَانِ وَيَعُودُ الضَّمِيرُ جَمْعًا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ فِي المعنى كقوله تعالى ﴿وكنا لحكمهم شاهدين﴾ يعني حكم سليمان وداود وقوله ﴿أولئك مبرأون مما يقولون﴾ فَأَوْقَعَ أُولَئِكَ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ
الْبَحْثُ السَّادِسُ: قَدْ يُثَنَّى الضَّمِيرُ ويعود عَلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللؤلؤ والمرجان﴾ قَالُوا: وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَقَوْلِهِ ﴿نَسِيَا حوتهما﴾ وَإِنَّمَا نَسِيَهُ الْفَتَى


الصفحة التالية
Icon