السَّابِعُ: قَدْ يَجِيءُ الضَّمِيرُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ وَهُوَ لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ يَعْنِي آدَمَ ثُمَّ قَالَ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ فَهَذَا لِوَلَدِهِ لِأَنَّ آدَمَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ نُطْفَةٍ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ قِيلَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ حُذَافَةَ حِينَ قَالَ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبِي؟: قَالَ: حُذَافَةُ " فَكَانَ نَسَبُهُ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ ﴿لا تسألوا عن أشياء﴾ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْحَجِّ حِينَ قَالُوا أَفِي كل مرة ثم قال وإن تسألوا عنها يُرِيدُ إِنْ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْ دِينِكُمْ بِكُمْ إِلَى عِلْمِهَا حَاجَةٌ تَبْدُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أَيْ طَلَبَهَا وَالسُّؤَالُ عَنْهَا طَلَبٌ فَلَيْسَتِ الْهَاءُ رَاجِعَةً لِأَشْيَاءَ مُتَقَدِّمَةٍ بَلْ لِأَشْيَاءَ أُخَرَ مَفْهُومَةٍ من قوله ﴿لا تسألوا عن أشياء﴾ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى أَشْيَاءَ مَذْكُورَةٍ لَتَعَدَّى إِلَيْهَا بِـ "عَنْ" لَا بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لَا مَفْعُولٌ بِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين من قبل﴾ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ هو عائد لإبراهيم لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَفِي هَذَا﴾ رَاجِعٌ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا هُوَ قَالَهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَعْنِي ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قبل﴾ يَعْنِي فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكُمْ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالْمَعْنَى جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَهُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ لِتَكُونُوا أَيْ سَمَّاكُمْ وَجَعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ لِتَشْهَدُوا عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَوْلُهُ ﴿ملة أبيكم إبراهيم﴾ منصوب بتقدير اتبعوا لأن هذا


الصفحة التالية
Icon