والمراد بذلك: تجريد المصحف من النقط والفواتح والعشور، لئلا يفهم الصغار أن ذلك من القرآن.
فدل ذلك كله على بطلان ما قاله ابن خلدون: "إن الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة... وقوله: وانظر إلى ما وقع لأجل ذلك من رسمهم المصحف، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة... ".
ثانيا: أن المتأمل في الظواهر السابقة وغيرها، يجد أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا من الدقة في كتابة المصاحف بما لا يستطيع منصف أن ينكره.
وقد سبق أن نقلنا أمثلة كثيرة للعلل والأسرار التي من أجلها زادوا بعض الحروف، أو حذفوها، أو أبدلوا حرفا بحرف، بما يتفق مع قواعد اللغة العربية وأسرارها.
يضاف إلى ذلك: رسمهم لبعض الكلمات بصور مختلفة، نتيجة لاختلاف القراءات والأوجه الواردة في الكلمة.
ومن أمثلة ذلك كلمة: "الأيكة" وقعت في القرآن الكريم في أربعة مواضع:
الأول: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ﴾ بالحجر١.
الثاني: قوله تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾ بالشعراء٢.
الثالث: قوله تعالى: ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ﴾ بـ"ص"٣.
الرابع: قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ بـ"ق"٤.
رسمت الكلمة في سورتي الحجر وق هكذا "الأيكة" بألف قبل اللام.
ورسمت في سورتي الشعراء وص هكذا "ليكة" بدون ألف كما هو واضح في رسم المصحف.

١ الآية "٧٨".
٢ سورة الشعراء الآية "١٧٦".
٣ سورة ص الآية "١٣".
٤ من الآية "١٤".


الصفحة التالية
Icon