الصورة، وإن لم يكن مجموعا في مكان واحد.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يرشدهم إلى الطريقة المثلى في الكتابة -بوحي من جبريل عليه السلام- فقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاوية: "ألق الدواة ١، وحرّف القلم، وأقم الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسّن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم".
قال القاضي عياض -بعد أن أورد الحديث: "وهذا وإن لم تصح الرواية أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب، فلا يبعد أن يرزق علم هذا ويمنع القراءة والكتابة"٢.
وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف: "ولا ينافيه ما قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميا لم يتعلم الكتابة؟ لأن الإملاء بالتلقين على هذا النحو لا يستلزم تعلم الكتابة بالمعنى الذي نفي عنه -صلى الله عليه وسلم- فإن الأول إيحاء وإعلام محض بهجاء الكتابة ورقومها بدون تعلم وكسب، والثاني تعلم كسبي، وعمل يدوي، كما يتعلم أحدنا مبادئ الكتابة ثم يقرأ ويكتب، وإنما لم يتعلم -صلى الله عليه وسلم- الكتابة أو يكتب لئلا يظن أنه مصنف القرآن، فيرتاب في أمره، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ٣.
فالكتابة لم تقع منه -صلى الله عليه وسلم- لا عن وحي ولا تعلم، ولا عن غريرة ينشأ عنها نظم الكتابة كما ينشأ الشعر عن سليقة العربي"٤.
والذي لا خلاف عليه بين العلماء: أن القرآن الكريم كتب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأقر الصحابة رضي الله عنهم على هذه الكتابة، والتقرير أحد أقسام السنة، وهو حجة عند المحدثين والأصوليين، فلو كان هناك خطأ في الكتابة لما أقرهم على ذلك، لأنه يناقض صريح قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
قال صاحب كتاب "الإبريز" نقلا عن شيخه عبد العزيز الدباغ: "رسم
٢ انظر: تفسير القرطبي "١٣/ ٣٥٣".
٣ سورة العنكبوت الآية "٤٨".
٤ عنوان البيان في علوم التبيان ص٤٣.