وهذا ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام: "لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال... "١.
الرد على هذا الدليل:
رد ابن الحاج في كتابه "المدخل"٢ على هذا الدليل بقوله: "ولا يلتفت إلى اعتلال من خالف بقوله: إن العامة لا تعرف مرسوم المصحف، ويدخل عليهم الخلل في قراءتهم في المصحف إذا كتب على المرسوم، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة يجب عليه ألا يقرأ في المصحف إلا بعد أن يتعلم القراءة على وجهها أو يتعلم مرسوم المصحف، فإن فعل غير ذلك فقد خالف ما اجتمعت عليه الأمة، وحكمه معلوم في الشرع الشريف، فالتعليل المتقدم ذكره مردود على صاحبه، لمخالفته للإجماع المتقدم، وقد تعدت هذه المفسدة إلى خلق كثير من الناس في هذا الزمان، فليتحفظ من ذلك في حق نفسه وحق غيره، والله الموفق".
وقد بينا في أدلة مذهب الجمهور الأضرار التي يمكن أن تقع نتيجة كتابة المصاحف بالرسم الإملائي، وأنه عرضة للتغيير والإضافات في كل عصر، وربما أدى إلى تحريف القرآن الكريم.
بالإضافة إلى أن القراءات الصحيحة تتفق مع الرسم العثماني -إما تحقيقا وإما احتمالا كما تقدم-ولو كتب بغير الرسم العثماني لاختل ذلك، ومن قواعد الشريعة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
على أن جهل الجاهلين لا يعتبر مسوغا لتغيير ما أجمعت عليه الأمة منذ عصر الصحابة -رضي الله عنهم- ولم يَشْكُ أحد من المسلمين من عدم معرفته بخط المصحف، بل العكس هو الصحيح، فإن قواعد الإملاء الحديثة تختلف من قطر إلى قطر، بخلاف الرسم العثماني فلا يختلف من بلد إلى بلد، بدليل أن المسلمين من غير العرب لا يستطيع البعض أن يتحدث معهم.

١ انظر: البرهان "١/ ٣٧٩".
٢ ج٤ ص٨٦ ببعض تصرف.


الصفحة التالية
Icon