فندب الحجاج لهذه المهمة عالمين من أبرز علماء اللغة بالعراق وهما: يحيى بن يعمر "ت. ق٩٠هـ" ونصر بن عاصم "ت٩٠هـ"، لما لهما من يد طولى في فهم أسرار العربية وإتقان فنون القراءات، فقاما بنقط الحروف المتشابهة في الرسم، للتمييز بينها، وكتبت هذه النقط بمداد لونه لون المداد الذي كتب به المصحف، حتى يكون مخالفا لنقط أبي الأسود الدؤلي، وكان لا يزال على حاله، إلى أن غيره الخليل بن أحمد -فيما بعد- كما تقدم في نقط الإعراب١.
وبهذا يتبين أن نقط الإعراب الذي بدأه أبو الأسود الدؤلي كان متقدما على نقط الإعجام، وأن التحسينات التي أدخلها الخليل بن أحمد على نقط الإعراب كانت متأخرة عنهما.
تقسيم المصحف:
قام المتأخرون بوضع أرقام الآيات، وتقسيم المصحف إلى أجزاء، حفزا للهمم، وتنشيطا لحفظة القرآن الكريم والمتعبدين به، خاصة في شهر رمضان، فالكثيرون من المسلمين يختمونه في صلاة التراويح.
روى الترمذي بسنده عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال: "اختمه في شهر" قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "اختمه في عشرين" قلت إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "اختمه في خمسة عشر". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "اختمه في عشر". قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "اختمه في خمس" قلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فما رخص لي. قال الترمذي: حديث حسن صحيح٢.
فتحقيقا لهذا الغرض قام بعض العلماء بتقسيم المصحف إلى ثلاثين قسما، كل قسم منها يسمى جزءا، والجزء ثمانية أرباع، ثم قسموا الجزء إلى حزبين، كل حزب أربعة أرباع، وكل ربع عشرين.
٢ سنن الترمذي "٤/ ٢٦٥"ط. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.