وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ نَكِيرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَدِلَّتُهُ ظَاهِرَةً كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ لَا يُنْكَرَ فَنُزِّلَ الْمُخَاطَبُونَ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمُنْكِرِ حَثًّا لَهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي أَدِلَّتِهِ الْوَاضِحَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ نَفَى عَنْهُ الرِّيبَةَ بِ "لَا" عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ أَنَّهُ ارْتَابَ فِيهِ الْمُرْتَابُونَ لَكِنْ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ تَعْوِيلًا عَلَى مَا يُزِيلُهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ كَمَا نُزِّلَ الْإِنْكَارُ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ لِذَلِكَ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بُولِغَ فِي تَأْكِيدِ الْمَوْتِ تَنْبِيهًا لِلْإِنْسَانِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلَا يَغْفُلُ عَنْ تَرَقُّبِهِ فَإِنَّ مَآلَهُ إليه فكأنه أُكِّدَتْ جُمْلَتُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا يَسْعَى فِيهَا غَايَةَ السَّعْيِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَخْلُدُ وَلَمْ يُؤَكِّدْ جُمْلَةَ الْبَعْثِ إلا بإذ ن لِأَنَّهُ أُبْرِزَ فِي صُورَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ نِزَاعٌ وَلَا يَقْبَلُ إِنْكَارًا
وَقَالَ التَّاجُ بْنُ الْفِرْكَاحِ: أَكَّدَ الْمَوْتَ رَدًّا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِبَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَاسْتَغْنَى عَنْ تَأْكِيدِ الْبَعْثِ هُنَا لِتَأْكِيدِهِ وَالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِهِ فِي مَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا كَانَ الْعَطْفُ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ اسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ اللَّامِ لِذِكْرِهَا فِي الْأَوَّلِ
وَقَدْ يؤكد بها- أي اللام- لِلْمُسْتَشْرِفِ الطَّالِبِ الَّذِي قُدِّمَ لَهُ مَا يُلَوِّحُ بِالْخَبَرِ فَاسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ نَحْوُ: ﴿وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ لَا تَدْعُنِي يَا نُوحُ فِي شَأْنِ قَوْمِكَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُلَوِّحُ بِالْخَبَرِ تَلْوِيحًا،


الصفحة التالية
Icon