فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنَ"الرَّحِيمِ": فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِاللُّطْفِ وَالرِّفْقِ كَمَا أَنَّ الرحمن مشعر بِالْفَخَامَةِ وَالْعَظَمَةِ
وَمِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ سقى وأسقى فَإِنَّ"سَقَى"لِمَا لَا كُلْفَةَ مَعَهُ فِي السُّقْيَا وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ تَعَالَى فِي شَرَابِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ وَ "أَسْقَى" لِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَلِهَذَا أَوْرَدَهُ فِي شَرَابِ الدُّنْيَا فَقَالَ: ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً﴾ ﴿لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾ لِأَنَّ السُّقْيَا فِي الدُّنْيَا لَا تَخْلُو مِنَ الْكُلْفَةِ أَبَدًا
الِاسْتِدْرَاكُ وَالِاسْتِثْنَاءُ
شَرْطُ كَوْنِهِمَا مِنَ الْبَدِيعِ أَنْ يَتَضَمَّنَا ضَرْبًا مِنَ الْمَحَاسِنِ زَائِدًا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ
مِثَالُ الِاسْتِدْرَاكِ: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ تُؤْمِنُوا لَكَانَ مُنَفِّرًا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ إِيمَانًا فَأَوْجَبَتِ الْبَلَاغَةُ ذِكْرَ الِاسْتِدْرَاكِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِيمَانَ موافقة القلب اللسان وإن انفرد اللِّسَانِ بِذَلِكَ يُسَمَّى إِسْلَامًا وَلَا يُسَمَّى إِيمَانًا وَزَادَ ذَلِكَ إِيضَاحًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فَلَمَّا تَضَمَّنَ الِاسْتِدْرَاكُ إِيضَاحَ مَا عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ مِنَ الْإِشْكَالِ عُدَّ مِنَ الْمَحَاسِنِ
وَمِثَالُ الِاسْتِثْنَاءِ: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يُمَهِّدُ عُذْرَ نُوحٍ فِي دُعَائِهِ عَلَى قَوْمِهِ بِدَعْوَةٍ