وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّفَنُّنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ وَفِي آلِ عِمْرَانَ ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ لِأَنَّ الْهُدَى فِي الْبَقَرَةِ الْمُرَادُ بِهِ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ وَفِي آلِ عِمْرَانَ الْمُرَادُ بِهِ الدِّينُ لِتَقَدُّمِ قوله: ﴿لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ وَمَعْنَاهُ إِنَّ دِينُ اللَّهِ الْإِسْلَامَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً﴾ وَفِي إِبْرَاهِيمَ ﴿هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَعَا بِهِ قَبْلَ مَصِيرِهِ بَلَدًا عِنْدَ تَرْكِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بِهِ وَهُوَ وَادٍ فَدَعَا بأن يصير بَلَدًا وَالثَّانِي دَعَا بِهِ بَعْدَ عَوْدِهِ وَسُكْنَى جُرْهُمَ بِهِ وَمَصِيرِهِ بَلَدًا فَدَعَا بِأَمْنِهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ وَفِي آلِ عِمْرَانَ ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ لأن الْأُولَى خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالثَّانِيَةَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ "إِلَى" يُنْتَهَى بِهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَ "عَلَى" لَا يُنْتَهَى بِهَا إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْعُلُوُّ وَالْقُرْآنُ يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ يَأْتِي مُبَلِّغُهُ إِيَّاهُمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ خَاصَّةً فَنَاسَبَ قَوْلَهُ: "عَلَيْنَا" وَلِهَذَا أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ب "على" وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي جِهَةِ الأمة ب "إلى"
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا﴾ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا تَعْتَدُوهَا لِأَنَّ الْأُولَى وَرَدَتْ بَعْدَ نَوَاهٍ فَنَاسَبَ النَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهَا وَالثَّانِيَةَ بَعْدَ أَوَامِرَ فَنَاسَبَ النَّهْيُ عَنْ تَعَدِّيهَا وَتَجَاوُزِهَا بِأَنْ يُوقَفَ عِنْدَهَا