مِنْ جِهَةِ الذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ أَوِ اشْتِمَالِ الرَّحِمِ الشَّامِلِ لَهُمَا أَوْ لَا يَدْرِي لَهُ عِلَّةً وَهُوَ التَّعَبُّدِيُّ بِأَنْ أُخِذَ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَخْذُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا بِوَحْيٍ وَإِرْسَالِ رَسُولٍ أَوْ سَمَاعِ كَلَامِهِ وَمُشَاهَدَةِ تَلَقِّي ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ فَهَذِهِ وُجُوهُ التَّحْرِيمِ لَا تَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الذُّكُورِ حَرَامًا وَالثَّانِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يكون جَمِيعُ الْإِنَاثِ حَرَامًا وَالثَّالِثُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الصِّنْفَيْنِ مَعًا فَبَطَلَ مَا فَعَلُوهُ مِنْ تَحْرِيمِ بَعْضٍ فِي حَالَةٍ وَبَعْضٍ فِي حَالَةٍ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عَلَى مَا ذُكِرَ تَقْتَضِي إِطْلَاقَ التَّحْرِيمِ وَالْأَخْذَ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةِ بَاطِلٍ وَلَمْ يَدَّعُوهُ وَبِوَاسِطَةِ رَسُولٍ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا بَطَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ ثَبَتَ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنَّ مَا قَالُوهُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَضَلَالٌ
وَمِنْهَا الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ قَالَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ وَحَقِيقَتُهُ رَدُّ كَلَامِ الْخَصْمِ مِنْ فَحْوَى كَلَامِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَقَعَ صِفَةٌ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ كِنَايَةً عَنْ شَيْءٍ أُثْبِتَ لَهُ حُكْمٌ فَيُثْبِتُهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ الْآيَةَ فَ "الْأَعَزُّ" وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الْمُنَافِقِينَ كِنَايَةً عَنْ فَرِيقِهِمْ وَ "الْأَذَلُّ" عَنْ فَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَثْبَتَ الْمُنَافِقُونَ لِفَرِيقِهِمْ إِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَثْبَتَ اللَّهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ صِفَةَ الْعِزَّةِ لِغَيْرِ فَرِيقِهِمْ وَهُوَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ صَحِيحٌ ذَلِكَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ لَكِنْ هُمُ الْأَذَلُّ الْمُخْرَجُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ الْمُخْرِجُ.