ولا شك أن الآراء تتفاوت بتفاوت علم أصحابها وأمانتهم. ورأي الصحابة لنا خير من رأينا لأنفسنا.
فإن تعارضت الآراء جُمع بينها إن أمكن، وإلا لجأنا إلى الترجيح بالأمارات. فإن لم يكن توقفنا، والتوقف خير من الإسقاط.
وأؤكد هنا أن الاختلاف قليل جدًّا في الصدر الأول. وكلما مضى الزمان اتسعت هوته بتنوع المآرب وتعدد النوايا.
ومن المقطوع به أنه لا خلاف بين طلاب الحق، وإن بدا شيء من ذلك، فهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك كالاختلاف في اللفظ المشترك والمتواطئ، وتقارب العبارات في التعبير، وتناول بعض الأفراد من العام وتعدد الأسماء وغير ذلك مما لا تعارض فيه في الحقيقة.
والمنقول إما مأثور صحيح النسبة والدلالة، وهذا لا خلاف في وجوب تقبله. فإن تنوع النقل فيه كان التنوع دليلًا على عدم صحته، وهو مما لا فائدة فيه؛ كاختلاف النقل عن لون كلب أصحاب الكهف، واسم الغلام الذي قتله الخضر.
أما إذا كان المنقول هو الرأي، فيجب على المفسر أن يتحرى أولًا صحة نسبته إلى قائله، وأن يزنه ثانيًا بالميزان الصحيح من النقل والعقل.
وليعلم ثالثًا أن المتعرضين للتفسير بالرأي، منهم مَن اعتقد معنى في ذهنه ونزل عليها ألفاظ القرآن، ومنهم مَن أعمل اللفظ وصرف النظر عن المتكلم به وعن السياق الذي جاء باللفظ من أجله.
والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يُرَدْ به.


الصفحة التالية
Icon