إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلًا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة.. والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة؛ فكأنه قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من هذه الأصناف. ولم يقصد حل ما وراءها أو تحريمه؛ بل هو سكوت عنه حتى جاءت آيات تضيف أصنافًا أخرى إلى هذه المحرمات١.
٦- ومن فوائد معرفة أسباب النزول: التعرف على الاسم الذي نزلت فيه وتعيين المبهم فيها٢.
واختلف الأصوليون٣: هل العبرة بعموم اللفظ؟ بمعنى: أن اللفظ العام إذا نزل لسبب خاص تعدى فيه الحكم من السبب إلى ما ماثله، وهو المختار؛ كآية الظهار٤ نزلت في سلمة بن صخر، وتعدى الحكم إلى كل من ظاهر مثله، وآية اللعان٥ نزلت في هلال بن أمية، وتعدى الحكم إلى كل ملاعن.
وقال بعضهم: العبرة بخصوص السبب ولا يتعدى الحكم إلا لدليل خارجي، فهؤلاء يرون أنه لولا الدليل الخارجي لوقف حكم الظهار على سلمة، وحكم اللعان على هلال.
وقال ابن تيمية٦: مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب، يريد بذلك أن مَن نزلت فيه الآية دخل دخولًا أوليًّا ودخل ما يشبهه تبعًا، ولا يُتصور من مسلم إبطال عموم
٢ "مناهل العرفان" ١/ ١٠٦.
٣ محل الخلاف في المسألة إذا لم توجد قرينة على التخصيص ولا على التعميم غير اللفظ نفسه، والقولان: العموم والقصر على السبب منقولان عن: مالك، والشافعي، وكثير من أصحابهما؛ لكن القول بالعموم قول الجمهور، وهو الأرجح نظرًا لأحكام الباجى ص٢٧٠، وممن ذهب إلى قصره على سببه: أبو ثور، والمزني، والقفال، وآخرون. انظر: "نهاية السول" للإسنوي ٢/ ٤٧٧، و"إرشاد الفحول" للشوكاني ص١٣٤، وانظر الأقوال وتفصيلها في: "المعتمد" ٣٠٢ و"التبصرة" ص١٤٤، و"الأحكام" للباجي ص٢٧٠، و"شرح الكوكب" ٣/ ١٧٧، وبحث أسباب النزول للمحقق.
٤ يعني قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾ الآيات، سورة المجادلة الآيات الأولى منها.
٥ يعني قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ﴾ حتى بلغ ﴿إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ سورة النور: ٦-٩.
٦ "الإتقان" ١/ ٣٠، و"البرهان" ١/ ٣٢. قلت: القول بالعموم فيما نزل على سبب خاص هو قول المحققين من الأصوليين وغيرهم، فهذه القاعدة -أعني "العبرة بعموم اللفظ"- من المسلمات، فلا يمكن للعالم أن يخصص ألفاظ القرآن العامة بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، كما قال ابن تيمية؛ وعلى ذلك درجت القوانين في الدنيا كلها، فإن القانون يصدر لأسباب خاصة في الغالب الكثير، ثم يكون حكمه عامًّا على جميع الأفراد.