الكتاب، وهذا توجيه حسن، ويكون الفرق بين مَن يقول: العبرة بعموم اللفظ، وبين مَن يقول: العبرة بخصوص السبب -أن الأولين يرون الدخول بعموم اللفظ أصلًا، والآخرين يرون الدخول تبعًا، بعد دخول صورة السبب.
وقد يقوم الدليل على تخصيص الحكم بصورة السبب؛ كتفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للظلم بالشرك في قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ فلم يرد تناول كل ظلم مع صلاحية اللفظ له.
هذا كله إن كان اللفظ عامًّا نزل لسبب خاص..
أما إن كان اللفظ خاصًّا نزل لسبب خاص، فإنه لا يتعدى السبب اتفاقًا؛ نحو: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾.. فإن الأتقى لمفرد، والمراد به: الصديق١ رضي الله عنه.
ولا يصح أن يراد به العموم؛ لأن الذي يدل على العموم "أل" الموصولة أو الداخلة على الجمع.. أو على مفرد غير معهود، والعهد هنا ظاهر.. ولا يصح أن تكون موصولة؛ لأنها لا تلي أفعل التفضيل٢.
ومن المعلوم أن صورة السبب داخلة في العام دخولًا قطعيًّا. فإذا نزلت الآية على سبب خاص، ثم نزلت آيه عامة في الموضوع -دخل مدلول الآية السابقة في العام دخولًا قطعيًّا.
مثاله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ ٣ نزلت في كعب بن الأشرف الذي كان يعلم صفة النبي في التوراة، ومع علمه أقر دين قريش ورجحه على دين المسلمين، فخان بذلك الأمانة، فدخل دخولًا قطعيًّا في قوله بعد: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾.
ولا يحل القول في سبب النزول إلا استنادًا إلى رواية صحيحة صريحة تصرح بذكر السبب.
٢ "الإتقان في علوم القرآن" ١/ ٣٠.
٣ "مناهل العرفان" ١/ ١٢٨.