﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ﴾.. وكنى عن قضاء الحاجة بقوله: ﴿كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ﴾..
ومما هو شبيه بالكناية الإرداف؛ وهو التعبير عن المعنى بلفظ يرادف اللفظ الذي وُضع له؛ نحو: ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾.. فاللفظ الموضوع: جلست.. وعدل عنه لأنه أراد جلوسًا يتمكن فيه الجالس، فقال: "واستوت"..
والفرق بينهما أن الكناية: انتقال من لازم إلى ملزوم.. والإرداف: انتقال من مذكور إلى متروك..
وأما التعريض، فلفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره؛ نحو قول إبراهيم: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ يشير إلى الصنم الأكبر ملوحًا بذلك إلى تسفيه عُبَّاد الأصنام؛ كأن الصنم الأكبر غضب من إشراكهم معه الأصنام الصغيرة فحطمها..
فإذا حرك فيهم المنطق بهذا نظروا إلى الصنم الأكبر، فوجدوه محطمًا أيضًا فأدركوا عجز ما يعبدون عن الدفاع عن أنفسهم، فكيف يستطيعون أن ينفعوا العابدين؟
وكقوله لنبيه: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ خوطب هو والمراد غيره.
ومن فنون البلاغة علم المعاني، الذي من بين أبحاثه الحصر والاختصاص، فالحصر ويسمى أيضًا بالقصر: تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.. أو هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه؛ نحو: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾.
وهذا من قصر الموصوف على الصفة ادعاء؛ كأنه أسقط كل صفة من صفات النبي، وأبقى صفة الرسالة. فإذا استعظم بعض الناس عليه الموت فما عرفوا الرسالة ولا الرسل؛ إذ البقاء لله وحده، والرسل يموتون..