هـ- ما نزل من القرآن على بعض الأنبياء، وما نزل منه موافقًا لقول بعض الصحابة:
القرآن كتاب مصدِّق لما بين يديه من الكتب ومهيمن عليها. ومقتضى هذا أن يتضمن ما كان فيها ويزيد. وأكثر ما في القرآن غير موجود في الكتب السماوية بطريقة القرآن كالسور الطوال. وبعض القرآن موافق لبعض ما فيها؛ لتأكيد أن ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- هو عين ما جاءت به الرسل، ومثاله سورة: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ وآخرها: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾.
وقد ذكرت في مبحث الترجمة وغيره: أن هذا كان موجودًا بمعناه، والمترجم هو الله، فلا يقاس عليه مترجم ما أوتي من العلم إلا قليلًا، ومثاله أيضًا: ما روي عن بعض مسلمي أهل الكتاب أن افتتاح التوراة يوافق افتتاح سورة الأنعام، وأن خواتيم التوراة توافق خواتيم سورة هود وسورة الإسراء.
وكذا قوله تعالى: ﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ... ﴾ الآيات، موافق للوصايا العشر التي في توراة موسى؛ وهي: توحيد الله، والنهي عن الشرك، واليمين الكاذبة، والعقوق، والقتل، والزنا، والسرقة، والزور، ومد العين إلى ما في يد الغير، والأمر بتعظيم السبت.
وأما نزول القرآن موافقًا لما جرى على ألسنة بعض الصحابة، فيا له من تكريم لهم، وفيه شهادة بأن المؤمن يرى بنور الله، وليس بينه وبين الحق حجاب. وموافقات عمر للقرآن في: اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وآية الحجاب، وإبدال النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا من زوجاته إن طلقهن، وقوله بعد سماع أطوار الإنسان: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ خير شاهد على نقاء السيرة وصفاء السريرة، ولم يكن القرآن مجاملًا لأحد؛ فقد قال لهم: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾، وقال: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾، وقال: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾.