ولم تكن موافقات القرآن لعمر فقط؛ بل كانت أيضًا لسعد بن معاذ القائل في الإفك: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾.
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في أُحُد، خرجن يستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير، فقالت امرأة: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: هو لم يزل حيًّا، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء؛ فنزل القرآن على ما قالت: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ في آل عمران.
وقال ابن سعد في الطبقات: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ ثم قطعت يده اليسرى، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ الآية، ثم قتل، فسقط اللواء، قال محمد بن شرحبيل: وما نزلت هذه الآية ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ إلا بعد مقتل مصعب.
فانظر كيف كان القرآن بروحه يسري في عروق المجاهدين، وبنوره يضيء قلوبهم، وبحلاوته ترطب ألسنتهم.
و كيفية إنزاله:
قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ ١، وقال: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ ٢، وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ٣.
والكتب السماوية كلها كانت تنزل على الرسل دَفْعَةً واحدة. ولما كان القرآن تيسر للناس حفظه أنزل كالكتب السماوية دَفْعَةً واحدة من اللوح
٢ سورة الدخان: ٢، ٣.
٣ سورة القدر: ١.