يتحدثون بالتخمين، ولا سند لهم في الإنكار سوى أنهم لم يشاهدوا ما جاء به السمع. وإذا أنصف العقل فعليه أن يدرك أن مَن يعلم مقدم على مَن لم يعلم، وأن عدم العلم لا يعد دليلًا؛ فقد لا أعلم شيئًا وهو عند غيري من البدهيات..
ولما كان المخبر عنه أمرًا غيبيًّا قرره القرآن بأمور مشاهَدة:
أولها: خلق الإنسان من تراب، وهو الآن إذا نظر إلى نفسه استبعد أن يكون من تراب، ولم يعترف إلا بعد أن يقطع شوطًا من العلم، يدرك بعد التحليل أن في الجسم عناصر التراب.
ثانيها: الأطوار التي يمر بها الإنسان في بطن أمه، من غير أن يكون للوالدين أو لأحدهما أي تدخل لتغيير مسار هذه الأطوار أو لإبقائها..
ثالثها: حال الإنسان وهو مسن، يضعف بعد قوة، وينسى بعد تذكر..
ورابعها: ما يشاهده من أرض يابسة تلقى فيها بذور يابسة، فإذا سقط عليها الماء دبت فيها الحياة..
والنتائج المترتبة على تلك المقدمات ما أفصح عنها قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾.. لأنه أخبر العقل بما لم يعلم من تلقاء نفسه.. وأثبت له بالدليل الحسي أن ما أخبر به ثابت ولا يخبر بالحق إلا الحق ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى﴾.. فقد أحياء الأرض بالماء، وأنه على كل شيء قدير؛ لأنه أوجد من التراب كائنًا يفكر ويخترع.
إذا ثبتت هذه النتائج الثلاث -وهي بالقطع ثابتة- ثبت ما أخبر عنه من غيبيات؛ كالساعة، لأنها وقت.. ومن أنكر وجود الغد فهو مكابر.. وثبت بعث مَن في القبور، كما ثبت خروج النبات الحي من الأرض الجامدة.


الصفحة التالية
Icon