ومن طرق الإقناع ثالثًا: السبر والتقسم؛ ومعناه: الاستقراء التام لكل الجوانب، والفرض لكل الاحتمالات، ثم الكر عليها بالإبطال، فيثبت بذلك نقيض المدعى، مثاله: أن المشركين ادعوا على الله كذبًا أنه حرم بعض الحيوانات، فقال الله لهم: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾.
وكل هذه الاحتمالات باطلة، والنتيجة أنهم كذبة، وهذا ما أفصح عنه قوله بعد: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾..
الرابع: القول بالموجب؛ ومعناه: تعليق شيء على شيء، فيسلم به، ثم نقل المعلق عليه إلى حقيقته؛ كقوله تعالى عن المنافقين: ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾.
فهذا مسلم به؛ ولكن الأعز هو المؤمن وليس المنافق؛ ولذا عقبه بقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
الخامس: التسليم بفرض المحال، فيسلم به جدلًا وليس اعترافًا؛ وإنما التسليم لإفحام الخصم ووضع يده على الحقيقة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾..
فقوله: "إذًا" يساوي لو سلم بالمدعى لتضاربت الآلهة، واختل نظام الكون، وهذا بدهي البطلان.
السادس: الانتقال من دليل إلى دليل آخر؛ حيث لم يفهم الخصم الدليل الأول، ومثاله ما وقع بين إبراهيم والجبار: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ