بالمعنى الاصطلاحي؛ وهو صرف الكلام عن ظاهره الراجح إلى محتمله المرجوح بقرينة.
فلفظ اليد تحتمل الجارحة، وهي محال أن تراد بالنسبة لله، وتحتمل القدرة، واستعمال اليد فيها استعمال مجازي لا يصار إليه إلا بعد القرينة؛ لكن ما هي القرينة؟ أهى لفظية، واللفظ في ذاته يحتمل الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والحذف وعدم الحذف، وغير ذلك من الاحتمالات؟ وكل ما يقبل الاحتمال فهو ظني الدلالة، ولا بد في القرينة أن تكون قطعية الدلالة، ولا قطعية هنا من جهة اللفظ؛ لأنه دلالته ظنية، والمسألة في العقائد، والعقائد لا ينفع فيها الظن١.
وإذا انعدمت القرينة اللفظية وجب المصير إلى القرينة العقلية؛ لكن إذا كان من حق العقل أن يحيل حمل اللفظ على ظاهره، فليس من حقه أن يحدد المراد منه٢.
ومن أجل هذا، فالأسلم نؤمن بها كما آمن السلف، أحالوا إرادة الجارحة، وفوضوا العلم بالمراد منها إلى الله سبحانه، فهو كما وصف نفسه، ولا يقال كيف؛ فالكيف عنه مرفوع.
ومن الخلف٣ مَن يؤول هذه الألفاظ ويحملها على معانٍ تليق بذات الله، واختار ابن برهان مذهب التأويل وقال: لا يجوز أن يكون في القرآن لفظ لا يفهم الراسخون في العلم معناه.
والثانية: أصولية؛ وهى مسألة الاحتمالات العشر التي ذكرها الإمام الرازي وغيره، وهي التي تجعل دلالة اللفظ ظنية.
والثالثة: أن العقيدة الحقة لا تتصور إلا بانعقاد القلب عليها انعقادًا جازمًا مطابقًا للواقع حسبما يفهم عنوانها اللغوي ذاته، فضلًا عن معناها العرفي المتفق عليه.
إذن فلا بد في العقائد من القطع، ولا تكفي غلبة الظن؛ ولذلك فإن من المقرر لدى الأصوليين أن خبر الواحد لا يكفي في إثبات العقائد.
٢ هذا كلام الإمام الرازي حسبما نقله عنه الحافظ السيوطي في الإتقان، وهو كلام مردود عليه عند المحققين؛ وذلك حيث قالوا: إن الذي يحتاج إلى القطع والتعين إثبات أصل الصفة، فأما حيث كان الصنيع بيان المراد منها، وكان أصل الثبوت إنما هو بلفظ الشارع؛ فإن الأمر قيد لا يتوقف على القطع؛ بل تكفي فيه غلبة الظن.
٣ مذهب الخلف هو تأويل الآيات بما يناسب استعمالات اللغة مما يليق بكمال الله تعالى وتقدس، فيفسرون "استوى" استولى مثلًا، ودليلهم: أنه لما استحال أن يكون المعنى الظاهرى مرادًا، كان دليلًا على أن المراد هو معنى مجازي، فتفسر وفق ما يفسر به كلام العرب؛ لأن القرآن عربي، كما صرح القرآن بذلك في مواضع كثيرة، فيجب الاعتماد على منهج فهم كلام العرب.