٥- من العلماء من فرَّق بين النسخ والإنساء، فقال: النسخ رفع الحكم الشرعي بالخطاب الشرعي قبل التمكن من العمل بالحكم الأول؛ كآية النجوى في قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.
فقد شرع الله تقديم الصدقات قبل مناجاة الرسول، ثم خفف ذلك فمسح بمناجاته صلاة ركعات، وذلك قبل التمكن من العمل بالحكم الأول، ولأن ختام الآية الأولى ظاهره نسخ هذا الحكم، وهو قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وأرى أن مثل هذا الذي لم يتمكن من العمل به، أرى أن رفعه لا يُسمى نسخًا؛ إذ النسخ للتيسير ولم تكن هناك صعوبة، ويعد هذا من باب تعداد النعم.
على أن تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول يمكن حمله على التغير من الوجوب إلى الاستحباب، أو تغير من الحكم الملزم لجميع الناس إلى حكم لا يطبق إلا على القادرين.
وأما الإنساء، فهو شرع الحكم من أجل سبب أو إلى وقت، ثم يتغير هذا الحكم بتغير السبب والوقت؛ كقوله تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾.. فالواحد مكلَّف بالثبات أمام عشرة، ثم نسخ هذا الحكم بسب الضعف، وتكليف الواحد بالثبات أمام اثنين، وذلك قوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ ونحو قوله: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾.


الصفحة التالية
Icon