وهنالك ملاحظة ثانية نستنتجها من نصّ التصاريف وتتمثل في وجود عبارة "قال يحيى" في بعض المواضع منه. فقد وردت في الجزء الثاني كما وردت في ثلاثة مواضع من الجزء الأوّل.
وإنما بدأنا بذكر الموضع في الجزء الثاني لما سنذكره حول نسبة الأقوال إلى أصحابها في التصاريف، هل هي من أصل النَّص، أم أنها زيدت عليه. أمَّا بالنسبة لهذا الموضع من الجزء الثاني، فإن نسبة القول فيه إلى يحيى قد كتبت بنفس الخط الَّذي كتب به النص، وبطريقة عادية، لا بين الأسطر.
وهذه العبارة هي الَّتي نجدها في مواضع كثيرة من تفسير ابن سلام. وأخصّ بالذّكر القطعة التي وقعت نسبة التَّفسير فيها إلى الحفيد، والتي أشرنا إليها من قبل.
وإنه ليس بدعا في الحقيقة، أن نلاحظ هذا التَّطابق بين التَّفسير وبين كتاب التصاريف، لأن هذا الأخير تابع بموضوعه لعلم التفسير. وقد حمل في عنوان الجزء الأول كلمة تفسير. كما وردت هذه اللفظة بمناسبة كل كلمة ذكرت للشرح. والتفسير في فتراته الأولى، لم يكن موكولا إلى الاجتهاد والرأي إنما كان يرتكز أساسا على الرّواية والنَّقل. وهذا ما يفسِّر اتِّفاق نسبة بعض الأقوال إلى أصحابها بين التَّصاريف وبين التفسير.
ونسوق أخيرا هذا الدليل لترجيح نسبة كتاب التَّصاريف إلى يحيى بن سلاّم الجدّ. ويتمثل في الاتفاق الملحوظ بين كتاب يحيى وكتاب الأشباه والنظائر لمقاتل ابن سليمان. ويظهر ذلك الاتفاق في أغلب الكلمات المذكورة للتفسير، وفي المعاني التي فسّرت بها، وكذلك في كيفية ترتيبها وترتيب وجوهها والآيات النظائر التي وقع الاستشهاد بها. ولم يختلف الكتابان إلاّ في القليل من ذلك.
ومعلوم أنّ ابن سلاّم قد نشأ بالبصرة. وقد كان قدوم مقاتل إليها بين سنتي (١٣٠-١٣٦هـ). فلعل ابن سلاّم ومقاتلا قد سمعا هذا التأليف عن شيخ واحد، فذلك ما يفسِّر الاتِّفاق الموجود بينهما. نضيف إلى هذا، أن مقاتلا، كما لهُ كتاب في الوجوه والنظائر، فإن له كذلك تفسير للقرآن. فليس من الغريب إذن أن نجد لابن سلاّم كتابا في التفسير وآخر في الوجوه والنظائر.