ولو خلينا فكرة التعظيم بالقسم جانباً، لبدا لنا بوضوح أن جو السورة لا يوحى - من قريب أو بعيد - بشيء من بيان عظمة الخيل وفوائدها، والحث على التسابق إلى قنيتها، والإغراء بفن السباق.... وإنما هو مشهد مثير، لغارة مفاجئة تصبح القوم بغتة على غير إنتظار.
وموقف المباغتة، يلائمه قصر الآيات بما فيه من حسم، وسرعة الإنتقال، وتلاحق الأحداث ما بين العدو، وإيراء القدح، وإثارة النفع، إلى توسط الجمع، فما إن تعدو الخيل ضبحاً، موريات قدحاً، مغيرات صبحاً، حتى تكون قد توسطت الجمع في النقع المثار.
ولفظ "العاديات" لم يرد في القرآن بهذه الصيغة إلا هنا، والأصل اللغوي للعدو هو البعد والتجاوز، ومنه العدوة للمكان المتباعد، والعدو الوثب.
واستعمال العدو في الجري الشديد، ملحوظ فيه البعد والوثب وتجاوز المألوف من الجري، كما أن استعماله في العداوة، ملحوظ فيه التباعد والجفاء، واستعماله في العدوان والبغي، ملحوظ فيه تجاوز الحق كذلك.
وقد يقال للفرسان عادية، لكن الضبح يعين أن المقصود بها هنا الخيل لا الفرسان، لما أشرنا إليه من إختصاص الخيل بالضبح، وهو صوت أنفاسها حين تعدو سريعاً.
وأختلفوا في التوجيه الإعرابي لنصب "ضبحاً": فهو مصدر على تقدير "والخيل تضبح ضبحاً" أو هو حال على تقدير "والعاديات ضابحة" لكنهم لم يبينوا أثر كل من المصدرية أو الحالية على المعنى.
ولعل المصدريو هنا أولى، لما فيها من معنى الإطلاق المحض.....
وعطف الموريات قدحاً على العاديات ضبحاً، بالفاء وفيها ملحظ السببية، لأن الإيراء أثر للعدو الشديد ينقدح به الشرر من حوافر الخيل. ولم ترد مادة قدح في القرآن إلا في هذه الآية، أما الإيراء فجاء فعلاً مضارعاً، على أصل معناه في إيراء النار، بآية الواقعة ٧١: