﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾.
السبق التقدم، ملحوظاً فيه معنى السرعة والمبادرة. واستعماله في الخيل واضح وقريب، لكن الذين فسروا النازعات بالملائكة أو بالنجوم أو بالآجال والمنايا، ذهبوا في تأويل السابقات، إلى أنها وصف لهذه أو تلك، فالملائكة تسبق إلى تدبير شئون الكون بأمر الله، "والنجوم سابقات في سبحها فتتم دورتها حول ما تدور عليه في مدة أسرع مما يتمم غيرها، كالقمر يتمم دورته في شهر قمري، وكالأرض تتمم دورتها في سنة شمسية، ونحو ذلك من السيارات. ومنا ما لا يتمم دورته إلا في سنين، لكن السابقات هي التي أنفردت بتدبير بعض الأمور الكونية في عالمنا الآرضي".
وهو تاويل اقتضاه توجيه واو القسم إلى تعظيم المقسم به وهو الملائكة أو النجوم، ﴿إظهاراً لعظم شأنها وإتقان نظامها وغزارة فوائدها وأنه مسخرة له - تعالى خاضعة لأمره".
ونفهم السبق هنا، أثراً لما جمعت الخيل من قواها في نزعها المغرق وسبحها الناشط.
* * *
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾

ويلحظ من مادة "التدبير" في القرآن، أن الفعل منه يجيء مضاراعاً، مسنداً إلى الله تعالى ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ في آيات: يونس ٣، ٣١، والرعد ٢، والسجدة ٥.
وفي المضارعة معنى الاستمرار والإحضار وتدبيره تعالى إحكام للسنن الكونية. وليس على المفهوم من التدبير الكمي الذي يكون من البشر. وأصل التدبير في الاستعمال اللغوي، أنه من التفكير في دبر الأمور وعواقبها، على أنه يطلق عادة على تولى الأمر والنهوض بتنظيمه وإدارته، دون أن تنقطع صلته بالأصل اللغوي.
وقد فسرها الراغب في النازعات، بأنها ملائكة موكلة بتدبير أمور الكون.


الصفحة التالية
Icon