وفي الكشاف: "إما أنها الملائكة تدبرا أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم، وإما أنها خيل الغزاة تدبر أمر الغلبة والظفر، وإما أنها النجوم تدبر أمراً في علم الحساب".
وفي البحر المحيط عن إبن عطية: "لا أحفظ خلافاُ في أنها الملائكة التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات".
وقال الشيخ محمد عبده: "ليس التدبير إلا ظهور الأثر لعمل الكواكب السابقات التي أنفردت بتدبير بعض الأمور الكونية".
وإذ فهمنا النازعات بالخيل في نزعها المغرق وسبقها السابح، يكون التدبير غاية ما تجمعت لو قواها فيما أريد لها من أمر الغلبة والحسم.
ووقف "أبو حيان" في آيات النازعات الخمس ألولى، عند الوصل بالواو مرتين وبالفاء مرتين. ونص عبارته فيه: "والذي ظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء، وأن المعطوف بالواو هو مغاير لما قبله. على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو من عطف الصفات بعضها على بعض".
ويظهر من صنيع المفسرين في توجيه الصفات الأربع، تبعاً لما أختاروه في تأويل النازعات، الميل إلى أعتبار الربط بالواو أو بالفاء من تتابع الصفات: فالناشطات والسابحات فالسابقات فالمدبرات، كلها أوصاف لموصوف واحد تعينه "النازعات".
والذي نراه أن السبق والتدبير يرتبطان بالسبح والنشط، وبالإغراق في النزع، على وجه الترتيب والتعقيب الملحوظ فيه السببية، وهو ما تقضى به طبيعة الاستعمال اللغوي للفاء، فإغراق الخيل في نرعها، ونشاطها المطلق وسبحها في الهواء، يعقبه ويترتب عليه أن تسبق فتدبر أمراً جمعت له قواها.
ونتفق مع الممفسرين في أن ما بعد الواو في الآيات الثلاث صفات لموصوف واحد، وإن كنا لا نجزم برأي "أبي حيان" في أن الواو هنا للعطف، إذ يحتمل كذلك أن تكون في المواضع الثلاثة، واو القسم اللافتة، وقد تغيرت بعدها الصفات والموصوف واحد.