وقلَّ منا - نحن أساتذة العربية في الجامعات - من حاول أن يجعل من النص القرآني موضوعا لدراسة منهجية، على غرار ما نفعل بنصوص أخرى لا سبيل إلى مقارنتها بالقرآن الكريم في إعجازه البياني. وقد حرصت لمدى ربع قرن قضيته في الجامعة، على أن أتتبع أسئلة الامتحان في مواد اللغة والأدب، في أقسام اللغة العربية بمختلف الكليات، فلم أجد من بينها سؤالا في البيان القرآني، فدل هذا على أن الفكرة لم تأخذ حظها الكافي من الوضوح والتمثل.
والدراسات القرآنية، في المجال العام، تسير على غير منهج، ويتصدى لها من المؤلفين من ليسوا أهلا لها. ولم أنس محاولة الأستاذ "مصطفى صادق الرافعي" - رحمه الله - في إعجاز القرآن، والحديث عن قيمتها يأتي في مدخل كتابي (الإعجاز البياني).
* * *
ومنذ سنين وأنا أقوم بهذه المحاولة في دراسة النص القرآني لغة وبيانا، تطبيقاً للمنهج الذي تلقيته... وعلى كثرة ما اشتغلت به من روائع النصوص الأخرى، فإني لا أستطيع بحال، أن أعبر عما كان يبهرني من جلال هذه المحاولة، وما راضتني به، عقلا وذوقاً ووجداناً، إلى الحد الذي جعلني أتساءل في ارتياب: هل كنت قبلها، قد صح لي فقه لغتي العربية، وإدراك أسرار بيانها؟
ذلك لأني بحكم نشأتي في بيت علم ودين، ألفت منذ الصغر أن أصغي بكل وجداني إلى هذا القرآن، وأن أتلو آياته في تأثرٍ وخشوع، لكني لم أع بيانه حق الوعي، إلا بعد تخصصي في دراسة النصوص، واتصالي بأصيل ما للعربية من تراث أدبي، فكنت كلما ازددت تعمقاً في الدرس، وفقهاً للعربية، وقفت مبهورة أمام جلال هذا النص المحكم، وعدت أتلو من معجز آياته ما أدركت معه لماذا أعيا العرب - وهم أصحاب الفن القولى، واللغة