ولكن التفسير ظل - باعترافهم - من علوم العربية التي لم تنضج ولم تحترق، وهذا الإعتراف يفسح لي العذر حين أتقدم إلى هذا الميدان الجليل في حدود جهدي وطاقتي واختصاصي، كما يشفع لي حين أضطر أحياناً إلى رفض بعض أقوال لهم وتأويلات وإتجاهات، قد أراها، والله أ'لم بعيدة عن روح العربية الأصلية، مجافية نصاً وروحاً، لبيان القرآن المحكم.
* * *
واليوم إذا تتداعى الشعوب العربية بالوحدة، نلوذ بكتابنا الأكبر الذي نلتقي عنده لساناً ووجداناً على اختلاف بيئاتنا ولهجاتنا وتباين ميراثنا الحضاري والفني، كما يلتقي المسلمون عنده، في شتى أقطارهم وعلى اختلاق ألسنتهم، عقيدة وشريعة ومنهاجاً.
ولن يكون هذا التلاقي عند كتابنا العربي المبين، إلا إذا جدَّتْ محاولتنا في رسه وفهمه وتذوقه، على منهج دقيق محرر، ينفذ من وراء الحجب التي أسدلتها التأويلات المذهبية والطائفية، والأذواق الأعجمية، إلى الجوهر الكريم في ذروة نقائه وجلال أصلته.
وما أعرضه هنا، ليس إلا محاولة في هذا التفسير البياني للمعجزة الخالدة، حرصت فيها - ما أستطعت - على أن أخلص لفهم النص القرآني فهماً مستشفاً روح العربية ومزاجها، مستأنسة في كل لفظ، بل في كل حركة ونبرة، بأسلوب القرآن نفسه، ومحتكمة إليع وحده، عندما يشتجر الخلاف، على هدى التتبع الدقيق لمعجم ألفاظه، والتدبر الواعي لدلالة سياقه، والإصغاء المتأمل، إلى إيحاء التعبير في البيان المعجز....
* * *
والأصل في منهج هذا التفسير - كما تلقيته عن أستاذي - هو التناول الموضوعي الذي يفرغ لدراسة الموضوع الواحد فيه، فيجمع كل ما في القرآن منه، ويهتدى بمألوف استعماله للألفاظ والأساليب، بعد تحديد الدلالة اللغوية لكل ذاك...... وهو منهج يختلف والطريقة المعروفة في تفسير القرآن سورة سورة، يؤخذ اللفظ أو الآية فيه، مقتطعاً من سياقه العام في القرآن كله،


الصفحة التالية
Icon