الهجرة، ليفيد أن مكة عظم شأنها جليل قدرها في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التي لم يرع أهلها تلك الحرمة التي خصها الله بها".
وقيل: ﴿حِلٌّ﴾ هنا بمعنى إحلال الله لرسوله أن يفعل بمكة وأهلها ما شاء "فأنت حل به في المستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر. وذلك أن الله فتح عليه مكة وأحلها له، وما فتحت على أحد قبله، ولا أحلت له، فأحل ما شاء وحرم ما شاء".
والآية مكية بإتفاق وقد نزلت قبل فتح مكة بسنين، فاحتاجوا إلى تعليل هذا التأويل، فقال الزمخشري يجيب عن سؤال طرحه في هذا الموقف: إن المستقبل هنا كالحاضر المشاهد، ونظيرهقوله عز وجل: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. وما بنا حاجة إلى مثل هذا، فالإخبار عن المستقبل مألوف في العربية وفي القرآن، وأبو حيان معذور حين يرد على الزمخشري هنا بقوله: "وأما سؤاله والجواب، فهذا لا يسأله من له أدنى تعلق بالنحو، لأن الأخبار قد تكون بالمستقبلات".
ثم قال أبو حيان: لم نحمل ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ على أنه يحل لك ما تصنع في مكة من الأسر والقتل، بل حملناه على أنه مقيم بها خاصة، وهو وقت النزول كان مقيماً بها ضرورة.
وفي الآية، قول ثالث هو أن يكون ﴿حِلٌّ﴾ من الإحلال ضد الإحرام ذكره إبتن القيم في التبيان.
وقول رابع: أنه من الحلول بمعنى الإقامة ضد الظعن، ذكره الراغب في (المفردات) وكذلك إبن القيم: "قسم بحرمة المكان، وبحلول الرسول فيه، قسم بخير البقاع وقد اشتمل على خير العباد".
وقال أبو حيان في البحر: "أقسم بها لما جمعت من الشرفين: شرفها بإضافتها إلى الله تعالى، وشرفها بحضور رسول الله - ﷺ - فيها وإقامته بها، فصارت أهلاً لأن يقسم بها".