حاضر مشهود؛ يعانيه - ﷺ - ويكابده، إذ هو موضع الأذى والاضطهاد بمكة، وهو مقيم بها. وإنها، لكما قال المصطفى يوم الهجرة: "لأحب أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى رسوله" عليه الصلاة والسلام.
وبهذا الفهم لا يبدو معنى الإحلال ضد الإحرام قريباً والسياق لا يطمئن به، والأذهان غير متجهة إليه في هذا المقام.
كما نستبعد أن يكون حل بمعنى إحلال الله لرسوله هذا البلد يفعل به بعد الفتح ما شاء، لظهور تكلفه، فضلاً عن كون الصيغة لا تقبل لغوياً أن يكون الإحلال من حل، وليس الاشتقاق.
وتفسير الحل بالإقامة وهو المعنى المتبادر، أو يجعل أذى الرسول حلالا وهو أكثر استعمال القرآن للمادة، يبدو قوى الصلة بالآيات التالية، على وجه لانضطر معه إلى تمزيق السياق أو الإبعاد في التكلف، وبخاصة حين تحمل آية ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ على الحالية، وهو ما ذهب إليه "أبو حيان"، وليس على الاعتراض كما قاله "الزمخشري" وتابعه على ذلك الشيخ محمد عبده فقال: "واعترض بها بين العاطف والمعطوف، ليفيد أن مكة عظيم شأنها جليل قدرها في جميع الأحوال".
وهذا القول بأن الآية معترضة، يغيب عنه ما في الحالية من قوة الربط وتقرير الصلة بين الآيتين. إذا تكون الثانية قيداً للأولى. ووصلاً لها بالآية التالية:
* * *
﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾.
فالواو هنا للعطف، ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ معطوفان على هذا البلد في الآية الأولى ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ﴾ فيه تعرف أحواله أهله وأوضاعهم، وتعاني ما تعاني من أمرهم.
وعند بعض المفسرين أن "ما" في الآية، يحتمل أن تكون نافية، وهو احتمال لا يدعو إليه ملحظ من السياق أو داع من المعنى فيما نرى، وتأويلها عندهم "ووالد،