ولا أدري هل هذه الأقوال جميعاً مما يمكن أن تحتمله العبارة لغوياً؟
لكنها مما لا يحتمله المقام بيانياً. ولا يتبين لنا بقول منها موضعه من المعطوف عليه ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾.
شغل المفسرين أن يبينوا وجه العظمة في ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ لوقوعهما في حيز المقسم به، مع أن القسم كما يكون للتعظيم، يكون لاستعظام ما هو جسيم وخطير.
فالذين قالوا: هو آدم وذريته، قالوا إن وجه التعظيم أن آدم مرجع العباد، كما أن مكة مرجع البلاد! (التنبيان).
والذين قالوا: هو محمد وأمته، قالوا إن القسم هنا لتعظيم الله محمداً وأمته، بعد ما أقسم ببلده، مبالغة في شرفه - ﷺ - (الطبير. ونقله أبو حيان).
والذين قالوا: هو كل ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾، من جميع البشر والجيوان والنبات، فسروه بنه تعالى أقسم بذلك "ليلفت نظرنا إلى رفعة هذا الطور من أطوار الوجود، وهو طور التوالد، وإلى ما فيه من بالغ الحكمة وإتقان الصنع، وإلى ما يعانيه الوالد والمولود في ذلك.... فإذا تصورت في النبات كم تعاني البذرة في أطوار النمو من مقاومة فواعل الجو ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر، إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان، إلى أن تلد بذرة أو بذوراً أخرى، تعمل عملها وتزين الوجود بجمال منظرها.... إذا أحضرت ذلك في ذهنك، والتفت إلى ما فوق النبات من الحيوان والإنسان، حضر لك من أمر الوالد والمولود فيهما ما هو أعظم".
وما أرى نص الآية، يحتمل كل ذلك. وهذا الإطناب في بيان عظمة التوالد في النبات والحيوان، لم يرتبط على وجه ما، بهذا البلد الذي ارتبط به ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ لفظاً بواو العطف، ومعني بوقوعهما جميعاً في حيز المقسم به.......


الصفحة التالية
Icon