وتخصيص والد، بمحمد - ﷺ -، أو نوح، أو إبراهيم، عليهما السلام، يبعده، إن لم ينفه، العموم المستفاد من التنكير، فضلاً عن دلالة "ما" على غير العاقل.
ونتدبر الآية في سياقها من السورة، فترى التعميم أقرب إلى أن يفهم منه تتابع الأجيال من أهل ﴿هَذَا الْبَلَدَ﴾ طبقة بعد طبقة، وما توارثوا، ولداً عن والد، من أحوال وأوضاع يستعظمها القرآن فيقسم بها لفتاً إلى جسامة خطرها، ثم يتولى بيانها في آيات تالية.
ووضع "ما" مكان من - التي هي للعاقل - في قوله تعالى: ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ لفت إلى أن المقصود هنا ليس أشخاصاً بذواتهم، وإنما الحديث عن تتابع الحياة وأجيالها على نمط واحد، وعن توارثها ولداً وخلفاً عن سلف.
والأمر بهذا الفهم، أبسط من أن نتكلف له مثل ما ذكره الشيخ محمد عبده أو نحو ما قاله الزمخشري فيه:
"وقوله تعالى ماولد، فيه ما في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ أي باي شيء وضعت، يعني موضوعاً عجيب الشأن! "
وربما كانه "الفراء" أهدى منهجاً، حين اكتفى بالاستئناس بما في القرآن من آيات جتءت فيها "ما" للناس كقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ﴾........ ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ دون أن يتكلف في الأمر ما يدعو إلى العجب! (البحر المحيط).
* * *
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾.
جمهور المفسرين على أن الإنسان اسم جنس (أبو حيان).
والراجح أنه كذلك، فأكثر ما تجيء كلمة "الإنسان" في القرآن، معرفة بأل للجنس - نحو ٦٣ مرة - وجاءت مرة واحدة نكرة، لكن مع الاستغراق بلفظ كل في آية الإسراء ١٣: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾.
لكن الزمخشري خص الإنسان في آية البلد، بمرضى القلب من بني آدم!


الصفحة التالية
Icon