وقال أبو زيد فيما نقل أبو حيان: إن الإنسان هو آدم.
على أن استقراء كل آيات الإنسان في القرآن الكريم، يشهد بأن دلالة الإنسانية فيه أخص من الآدمية والإنسية، فالإنسان هو الذي يختص بالبيان والجدل ويحتمل التكليف والأمانة والعهد والوصية، والإبتلاء بالخير والشر والتعرض للغواية، مع ما يلابس ذلك كله من غرور وطغيان....
* * *
أما ﴿كَبَدٍ﴾ فلم ترد في القرآن صيغة ولا مادة، غير هذه المرة. وأصل الكبد في اللغة من وجع الكبد، يقال: كبد الرجل يكبده، ضرب كبده، وكبد - كعنى - شكا كبده. والكباد، كغراب: وجع الكبد.
ثم أطلق على الألم بعامة، فقيل: كبد، أي ألم. ومنه أخذ معنى الشدة والمشقة، فقيل: كبد القوم شق عليهم، والكبد بالتحريك: الشدة والمشقة، والمكابدة: المقاساة والمعاناة.
ولم يختلف المفرسون في أن معناه في آية البلد الشدة، لكن أقوالهم شتى في تحديد هذه الشدة، فالزمخشري يقول: "لقد خلقنا الإنسان في مرض هو مرض القلب وفساد الباطن"، ثم انتبه إلى أنه بهذا يثير موضوع المسئولية والجزاء، وهو الموضوع الذي فتح عليهم باباً لم يستطيعوا سده وإقفاله، فالخالق هنا هو الله، خلق الإنسان مريض القلب فاسد الباطن، ومن ثم يستدرك الزمخشري المعتزلى قائلاً: "يريد: الذين علم منهم - تعالى - حين خلقهم، أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات".
ومقتضى هذا أن تكون "ال" في الإنسان للعهد لا لاستغراق الجنس الذي يرجحه سياق الآية، ويؤيده الاستعمال القرآني للإنسان مقصوداً به عموم النوع الإنساني، وهو ما عليه الجمهور، كما صرح بذلك أبو حيان في (البحر).


الصفحة التالية
Icon