وفي (التبيان) : لم يخلق الله خلقاًً يكابد ما يكابد إبن آدم.... يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
وفيه كذلك عن "إبن عباس": يعني بالكبد، حمله وولادته ورضاعه وفصاله، نبت أسنانه، وحياته ومعاشه ومماته، كل ذلك شدة.
فصله إبن القيم القيم فقال: "الإنسان مخلوق في شدة، بكون في الرحم ثم في القماط ثم في الرباط، ثم هو على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف ومكابده المعيشة والأمر والنهي، ثم مكابدة الموت وما بعده في البرزخ، وموقف القيامة، ثم مكابدة العذاب في النار، ولا راحة في الجنة".
وقال الشيخ محمد عبده: "إنه في عناء من تصريف قواه في عمله، بل وفي أكله وشربه، وحماية أهله في سربه".
وكل ذلك يمكن أن يقال، لكن ما وجه ارتباط القسم بهذا البلد، ووالد وما ولد، بتلك الشدة التي خلق فيها الإنسان، والعناء المحتوم عليه من ساعة مولده إلى يوم القيامة؟
يقول الشيخ محمد عبده: "إن الإنسان نوع من الوالد والمولود، فحق له أن يخلق في كبد وكد ونصب..... وما يصيب الرسول من تقريع المستحلين لحرمته، فهو من شأن الإنسان وقدر قدر على كل مولود منه. وفيه من تسليته - ﷺ - عن ذلك افيذاء ما هو ظاهر، وأن العناء الذي يلاقيه من اختصه الله بوحه، هو العناء الذي يصيب الوالد في تربية ولده، والمولود في بلوغه الغاية من سير نموه".
ووجه الغرابة في هذا التأويل أن يسوى بين أعباء الرسالة، وما يتحمله كل مولود من عناء النمو. قد رأينا أنه - رحمه الله - ذهب في التعميم إلى آخر مدى، فجعل ﴿مَا وَلَدَ﴾ في ألاية، لكل مولود من إنسان وحيوان ونبات، فهل يستوي حقاً أعباء الرسالة الكبرى، ما يكابده كل مولود من البشر. ودعك من بذور النبات وصنوف الحشرات والحيوان؟!
مانظن المكابدة هنا تنصرف إلى ما ذكروه من مشاق الحمل والنمو


الصفحة التالية
Icon