والعيش والموت والحساب، كما نستبعد أن يكون "الكبد" في الاية هو مرض القلب وفساد الباطن كما قال "الزمخشري"وإنما الكبد - فيما نرجح - هو مت هييء له اإنسان بفطرته من احتمال المسئولية ومشقة الاختيار بين الخير والشر. ووجه ارتباطه بالقسم قبله - بحال أهل مكة وما اختاروا لأنفسهم من استحلال أذى الرسول وهو مقيم بالبلد الحرام - واضح ظاهر. وهو أوضح ارتباطاً بالآيات بعد. من ضلال الغرور بهذا الإنسان الذي وهب الله له وسائل الإدراك والتمييز. وبين له معالم الطريقين: الخير والشر.
وقوله تعالى: ﴿خَلَقْنَا﴾ بدلاً من: جعلنا، إشارة إلى أن ألإنسان مخلوق بفطرته لهذه المكابدة، على ما فهمناها من معاناة المسئولية وأمانة التكليف، والإبتلاء بالشر أوالخير، دون حاجة إلى ما أثاره المجبرة أو المعتزلة من كلام في المسئولية والجزاء.
ثم تأتي بعد هذا، مبينة الكبد الذي خلق فيه الإنسان، موضحة ما هيئ له من وسائل الهدى والتمييز.
* * *
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ ؟
فهنا تبدأ المعاناة، بما يشعر به الإنسان في حال قوته وثرائه من غرور يطغيه ويضله فيحسب لأن لن يقدر عليه أحد: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾.
وبلاغة الاستفهام في الآية، تأتي من هذا الطى المتعمد لتحديد نوع الكبد، على مألوف الإيجاز المعهود، وبخاصة في قصار السور من العهد المكي. ثم يفاجأ السامع بظواهر الكبد وعلله وآثاره، في صورة استفهام تقريري، يحمل من الإنكار قدر ما يحمل من التقرير القاطع الحاسم؛ فهنا وقفة عند ﴿كَبَدٍ﴾ منكرة، يذهب فيها الظن كل مذهب. يليها الاستفهام المثير: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد؟ و ﴿لَنْ﴾ لتأييد النفي في حساب هذا الإنسان المغتر.
ولا حاجو بنا إلى تحديد مرجع الضمير في ﴿أَيَحْسَبُ﴾ بشخص معين،