هو من قول: أبو الأشد، كان قوياً يبسط له الأديم العطاظي فيقوم عليه ويقول: "من أولنى عنه له كذا" فلا ينزع إلا قطعاً ويبقى موضع قدميه. أو هو قول آخر: الوليد بن المغيرة، وغروره بقوته وجاهه وماله ذائع معروف. فالعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص سبب النزول، لو صح أن الآية نزلت في أحد الرجلين......
هو الإنسان بعامة، كما فهم "أبو حيان" وإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى، ومع الطغيان تغره قوته فيحسب أن لن يقدر عليه أحد، ويغره ثراؤه فيتشدق مباهياً مفاخراً.
* * *
﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا﴾.
لفظ "لبد" لم يأت في القرآن في غير هذا الموضع، وهو في اللغة الكثير المجتمع، وأصله من: تلبد الصوف ونحوه، إذا تداخل ولزق بعضه ببعض.
واللبدة، بالكسر: شعر زبرة الأسد لوفرته وتداخله، والتبدت الشجرة وتلبدت: كثرت أوراقها، واللبدى: القوم المجتمع.
يقول: أهلكت، ولم يقل: أنفقت، مع قربها، إذ الإهلاك أولى بالغرور والطغيان، وأنسب لجو المباهاة زالفخر على المقام......
والتنكير في "مال" كالتنكير في: لبد، وفي: أحد، مقصود به إلى الإطلاق والتعميم.
* * *
﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾.
هنا عاد الاستفهام، بكل ما فيه من ردع وإنكار، يفجأ المغتر بماله وقوته، وفي حسابه أن لم يره أحد. وقد عدل البيان القرآني هنا عن "لن" التي في الاستفهام الأول، إلى "لم" التي تنصرف إلى الماضي فتقرر أن ماضي المغتر محسوب عليه محاط به. بعد أن أكد في: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد؟ أن مصيره في يد القادر المحيط بما يعمل، لا تخفى عليه خافية، فمهد هذا للآيات بعده: