﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾.
بدأ فيها بوسائط الإدراك الحسي، ووسائل الإبانة: فالعين أداة البصر، واللسان والشفتان أدوات النطق والإبانة والتعبير. وليس المراد هنا، والله أعلم، أدوات الحس العضوية العضلية، فذلك ما لا يختص به الإنسان دون إليهم والوحش والطير والحشرات. وإنما يراد بها ما يسأل الإنسان عنه، على وجه الحض والزجر بالحجة، من أمانة البصر والنطق، تمهيداً لما يلي في السورة، من تقرير تبعات الرشد ومسئولية الكلمة.
* * *
بعد وسائل الإدراك الحسي من بصر ونطق، يأتي التذكير بما هدي تعالى الإنسان من إدراك مميز لمعالم الطريقين:
﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾
والأصل اللغوي للهدى أنه الصخرة الناتئة في الماء يؤمن بها من العثار، ووجه النهار يعرف السائر فيه طريقه فلا يضل. ثم استعمل في هوادى الإبل أي المتقدمة منها، ومنه الهادى أي الدليل الذي يتقدم القوم ويهديهم الطريق؛ واستعمل بعد هذا مجازياً في الهداية ضد الضلال، وهو أكثر المعاني وروداً في القرآن كما استعمل - في الجو الديني - في التوفيق والإلهام.
والنجد لغة: ما أشرف من الأرض، والطريق المرافع الواضح. والنجود من الإبل والأتن: الطويلة العنق، والماضية، والمتقدمة، والتي تبرك على المكان المرتفع.
ومن الوضوح والارتفاع والتقدم، أطلق النجد على الدليل يظهر مكانه في القوم، ويسقهم هادياً إلى الطريق.
وفسر "الراغب" النجدين في الآية، بطريق الحق والباطل في الاعتقاد، والصدق والكذب في المقال، والجميل والقبيح في الفعال.


الصفحة التالية
Icon