واقتصر "الزمخشري" ومثله "إبن القيم، والشيخ محمد عبده" على القول بأنهما طريقاً للخير والشر، وذكر "أبو حيان" أن هذا هو ما عليه الجمهور.
على أن هناك قولا - في الأساس والبحر والمحيط - بأن النجدين "هما الثديان، لأنهما طالطريقين لحياة الولد ورزقه"!
والتأويل به، فيه شطط التكلف مع ظهور وهنه وضعفه........
كلمة ﴿وَهَدَيْنَاهُ﴾ - دون: بينا له أو أوضحنا - توجهنا إلى أن الهدى ملحوظ فيه أنه تعالى ألهم الفطرة الإنسانية الإدراك المميز للخير والشر، وجعل لها الأدوات الحسية لهذا الإدراك. كما أن ﴿النَّجْدَيْنِ﴾ - ولم يأت هذا اللفظ في القرآن، لإلا في هذه الآية - ملحوظ فيهما معنى الوضوح والشخوص المستفاد من الدلالة الأصلية للمادة، بحيث يرى الإنسان الطريقين ببصره، ويدركهما بما تهيأ له من هدى الله وإلهام الفطرة.....
واتصال هذه الآيات الثلاث بما قبلها واضح بين: فهذا الإنسان الذي خلقه الله مهيأ لأمانة التكليف الصعبة، مستعداً لمكابدة لختيار أحد الطريقين.
قد زوده - جلت قدرته - بوسائل الإدراك الحسي، وهداه معالم الخير والشر واضحة أمامه شاخصة ماثلة، يراها بعينيه كما يرى النجدين في وجه النهار، ويدركها بما تهيأ له في فطرته من تمييز بين الخير والشر......
واستعمل "ألم" في صدر الاسفتهام هنا، لأن خلق الإنسان مزوداً بوسائل الإدراك والتمييز، يسبق شعوره يقوته واعتراره بما له، غناسبه أن ينسحب الفعل بها إلى الماضي بـ (لم).
أما حسبانه أن لن يقدر عليه أحد، فيأتي متأخراً بعد أن تطغيه القوة والمال، ومن ثم جاءت (لن) لتنقل الفعل من الحال إلى المستقبل، إذ ليس أمعن في الغرور من أن يحسب المغتر أن لن يقدر عليه أحد أبداً.
ويقال كذلك، إن الإنسحاب إلى الماضي ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ...... أَلَمْ نَجْعَلْ له......﴾ وإلى المستقبل في ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾ بيان لمدى إحاطة الله بالإنسان مهما يبلغ من قوته وطغيانه، فهو تعالى يملك من أمر مستقبله