﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾.
عطف الإيمان، بلفظ: ثم، على ما قبله يبيح لنا أن نفهم أن تحقيق الكرامة الإنسانية بفك الرقبة، والعدالة الإجتماعية بإطعام يتيم ذي مقربة أو مسكين ذي متربة، لازمان للإيمان وما بعده من تواص بالصبر والمرحمة. الإنسان لا يكون مؤمناً، ما لم يكن له من نفسه وازع يرده عن الطغيان ويلزمه حده فلا يسترق بشراً مثله، ولا يتجاهل حق يتيم ومسكين، وأنى لإنسان أن يؤمن بوجود خالق قادر عليم، ما لم يتحرر أولاً من غرور جاهه وقوته وثرائه، ذلك الغرور الذي يعطل شعوره نحو أخيه الإنسان، ويجعله يحسب أن لم يره أحد ولن يقدر عليه أحد. فالإيمان بالله، نعمة لا تتاح لقساة القلوب غلاظ الأكباد عمي الأباصر والبصائر، ولا يميزون بين الخير والشر!
كل هذا/ مما يعطيه سبق فك الرقبة والإطعام، على الإيمان الذي جاء معطوفاً عليهما بلفظ: ثم، لكن المفسرين عطلوا هذا الملحظ الجليل، بل عكسوا الوضع، فجعلوا ﴿ثُمَّ﴾ مقصوداً بها إلى إبعاد الإيمان عن فك رقبة وإطعام يتيم أو مسكين، فلا يكون الإيمان معهما في مرتبة واحدة! ونص عبارة الزمخشري في (الكشاف) "وجاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الفضيلة والرتبة عن العتق والصدقة، لا في الوقت، لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به".
وقال أيو حيان في (البحر المحيط) :
"ثم، لتراخي الإيمان والفضيلة لا للتراخي في الزمان، لأنه لابد أن يسبق تلك الأعمال الحسنة الإيمان، إذ هو شرط صحة وقوعها من الطائع. أو يكون المعنى: ثم كان عاقبة أمره من الذين وافوا الموت على الإيمان، إذ الموافاة عليه شرط في الإنتفاع بالطاعات. أو يكون التراخي في الذكر، كأنه قيل: اذكر أنه كان من الذين آمنوا....."
والإيمان مناط العقيدة الإسلامية. لكن المسلم قد يظن أن إيمانه يصح بمجرد أداء العبادات، فهم من ثم، في حاجة إلى التنبية بأن صحة الإيمان تنفي الغرور والاستعباد والقسوة.