﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
وقد تجد الصنعة البلاغية في استعمال المقابر هنا مجرد ملاءمة صوتية للتكاثر، وقد يحس أهل البلاغة، ونحس معهم فيها، نسق الإيقاع بهذه الفاصلة، فهل تكون "المقابر" في آية التكاثر لرعاية الفواصل فحسب؟
المقابر جمع مقبرة، وهي مجتمع القبور..... واستعمالها هنا يقتضيه معنوياً، أنه اللفظ الملائم للتكاثر، الدال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فان...... هناك مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم ودرجاتهم وأزمنتهم. وهذه الدلالة ممن السعة والعموم والشمول، لا يمكن أن يقوم بها لفظ "القبور" بما هي جمع لقبر. فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت، يتجلى إيثار البيان القرآني "المقابر" على القبور، حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون، وحين يلفت إلى مصير هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التي هي مجتمع الموتى ومزار الراحلين الفانين.....
فتأويل المقابر بالقبور، لسي إلا أثراص مفردات القرآن تناولا لفظياً معجمياً، مجرداً عن إيحاء سياقه وسره البياني، معزولاً عن الاستعمال القرآني الذي لم يجئ بالمقابر هنا لمجرد المشاكلة اللفظية والرنين الصوتي، وإنما هي الملاءمة المعنوية أيضاً بين التكاثر والمقابر بما فيهما من سعة وشمول وعموم، وهو هو الإعجاز البياني يوجز رحلة الدنيا وعبرة الموت ونذر المصير، في أربع كلمات فحسب، تفجأ اللاهين في نشوة الدنيا، بصدمة ﴿زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ ليس بينها وبين ﴿لْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ إلا "حتى"، أداة غاية.
* * *
ثو يتوالى الزجر سراعاً:
﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
واضح هنا أن الخطاب لمن الهالهم التكاثر، وأن التكرار مبالغة في الزجر