في الآيتين كلتيهما، إلا للذين ألهلهم التكاثر، ما التكرير إلا مبالغة في ردعهم وزجرهم وإنذارهم.
ويلفتنا هنا أيضاً. أنه قال "تعلمون" ولم يقل: تعرفون. والعلم إدراك الشيء بحقيقته كعبارة "الراغب" في مفرداته، والعربية قد استعملت المادة حسياً فيما هو ظاهر واضح لا لبسفيه. فالعلمة والعلم شق ظاهر في الشفة العليا، وعلمه وسمه، والعلامة: السمة، والعلامة أيضاً، والعلم: الفصل بين الأرضين، وشيء منصوب في الطريق يهتدي به. والعلم: الجبل الطويل، والراية، ما يعقد على الرمح.
ومن هذا الوضوح المميو في العلامة والعلم، استعمل العلم فيما يعرف معرفة واضحة قوية، فقيل: علم الشيء، إذا أدركه، وهو عالم به إذا انكشف له حقيقته.
وفي الاستعمال القرآني للملدة، نرى الله تعالى يوصف بالعالم ولا يوصف بالعارف، والعليم من أسمائه الحسنى، ويسند إليه العلم ولا تسند إليه المعرفة. ويختص الله سبحانه وتعلى بما يكون خفياً، وغيباً، ومضمراً، فهو يعلم ما يسرون ويعلم ما في الأرحام، وما تحمل كل أنثى، ما في أنفسكم، وما في قلوبكم، وذات الصدور، ويعلم ما في السماوات والأرض، وما في البر والبحر، ويعلم سركم وجهركم، ويعلم سرهم ونجواهم، ويعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم ما توسوس به نفسك، علام الغيوب، وعنده علم الساعة، وعلم الكتاب.
وحين يسند العلم إلى البشر فهو العلم الكسبي عندما يكون على وجه التأكد واليقين، أو في النذير بيوم لا ريب فيه.
وتأتي ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾، في نظائر لآية التكاثر، مثل، آيات: الحجر (٣، ٩٦) والفرقان (١٢) والعنكبوت (٦٦) والصافات (١٧٠) والزخرف (٨٩)، وفي أكثرها بهذا الإنذار بيوم يأتي، تنكشف لهم حقيقة ما خفى عنهم وما أنكروه أو ارتابوا فيه.