نراك ونرعاك. ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ أي بكلاءتى وحفظى. كما استعمل ما يقر العين، فيما هو للإنسان موضع غبطة ورضى وارتياح:
﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ القصص ١٣
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾. الفرقان ٧٤
و"الراغب: في مفرداته، يوجه كل ما استعير له لفظ العين، لمعنىموجود في الأصل الذي هو الجارحة.
واستعمال العين في أسلوب التأكيد، له أصل من مدلولولها الحسي، فأنت تقول: لقيته عياناً، أي معاينة لا شك فيها، ورأيته رأى العين، أي حقيقة ويقيناً لا على سبيل الوهم أو المجاز:
﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ آل عمران ١٣
وهذا الملحظ من الرؤية المتيقنة، في قولهم: رأيته رأى العين، هو الذي استعملت به "عين" للتأكيد. فيقال جاء هو عينه. فإذا أضيفت عين وهذا شأنها في اليقينالحسي - إلى لفظ اليقين. مع فعل الرؤية مؤكداً: ﴿تَرُونَ﴾ : فذاك أقصى ما يبلغه البيان من تأكيد اليقين وترسيخه. ففي احتمال أي شبهة للشك أو الظن أو الإرتياب. إذ يجتمع هنا. ما للرؤية من إدراك حسي، إلى ما للفظ "عين" من دلالة التأكيد والبصر، وما لصريح لفظ "اليقين" من ثقة وإزاحة لكل شك، فضلاً عن التوكيد اللفظي في ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ باللام ونون التوكيد الثقيلة، ثم بالتكرار!
إنها كلمات أربع قصار. جمعت كل ما تعرف العربية من ادوات التوكيد وآساليبه اللفظية والمعنوية: اللام والنون والتكرار، والرؤية والعين، واليقين، فبلغت من ذلك ما لا تبلغه الصفحات المطولات، دون أن نحس في إيجازها المعجز، جهد الحشد وضغط الإمتلاء.
هو إذن اليقين الذي لا سبيل فيه، يتحقق برؤية الجحيم رأى العين حيث لا سبيل إلى اتهام البصر واللياذ باحتمال الوهم فيه.