واختلفوا كذلك في النعيم الذي يسألون عنه يومئذ، وقد كثرت تأويلاتهم فيه حتى بلغ ما عده "الرازي" منها تسعة وجوه: وتتفاوت هذه النعم المسئول عنها، فأدناها النعلان، وأعلاها رسول الله - ﷺ -! وبينهما يأتي: تخفيف الشرائع، وتيسير القرآن، والطعام والشراب والمسكن، وصحة الأبدان والأسماع والأبصار، والظل البارد، والفراغ والأمن والدعة، ولذة النوم، والحالة الحسنة، واعتدال الخلقة.
وهكذا لم يتركوا شيئاً يمكن أن يقال في تأويل النعمة إلا جاءوا به، وجاءوا له بشاهد من القرآن أو الحديث أو خبر مأثور: من ذلك مثلاً، أن تأويل النعيم برسول الله، يؤيده عندهم قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾.
وفي تأويله بالماء والطعام، ذكروا آية الأعراف: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
وفي تآويله بالظل والنعلين رووا حديثاً عن "أنس" أنه "لما نزلت الآية قام محتاج فقال: هل على من النعمة شيء؟ قال: الظل والنعلان والماء البارد".
وفي تأويله بالشبع والرى، رووا عن رسول الله - ﷺ -، أنه "خرج ذات ليلة إلى المسجد فلم يلبث أن جاء أبو بكر، فقال - ﷺ -: ما أخرجك يا أبا بكر؟ فقال الجوع. قال: والله ما أخرجني إلا الذي أخرجك. ثم دخل عمر فقال مثل ذلك. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قوموا بنا إلى منزل أبي الهيثم. ففعلوا، وأكلوا هناك خبزاً من شعير ولحماً، وشربوا ماء عذباً. فقال - ﷺ -: هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة".
* * *
والنعيم قد يحتمل لغة، كل هذا الذي قالوه، فهو في معاجمها: