وهذه أيضاً ظاهرة أسلوبية، تسيطر على الحديث عن اليوم الآخر، الذي يأتي بغتة، إمعاناً في الترهيب، على ما سوف نفصله عند تفسير آية النازعات:
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾.
وندع لغيرنا من المفسرين، أن يشتغلوا بتسوية الصنعة الإعرابية، فيلتمسوا عاملاً مضمراً في إذا، تقديره عند بعضهم: اذكر، وعند آخرين: تحشرون. أي: يوم تزلزل الأرض زلزالها تحشرون.
لأن سر البيان وراء كل هذا، ولأن مناط القوة في التعبير هو بغتة المفأجاة، وتأكيد الحدث، وصرف الذهن إليه، ولا شيء من ذلك يتعلق بما شغلوا به من تأول وتقدير.......
وقرأ الجمهور ﴿زِلْزَالَهَا﴾ بكسر الزاى وهي قراءة الأئمة السبعة، وفي قراءة بفتحها، والفرق بينهما أن المكسور مصدر، والمفتوح اسم، وليس في الأبنية - كما قالوا - فعلال بالفتح إلا في المضاعف.
والمصدرية أولى بالمقام، لما فيها من تأكيد يلائم السياق. ويؤيده تعين المصدرية في الآية الأخرى التي استعمل فيها القرآن هذه الصيغة، وهي آية
الأحزاب ١١: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾.
وإضافة الزلزال إلى ضمير الأرض، متسق مع التلقائية الملحوظة في هذه الآية وما بعدها من إخراج الأرض أثقالها وتحدثها أخبارها. وفيها أيضاً لفت إلى المعهود المعروف من الزلزلة. ولا بأس بما قاله الزمخشري هنا من أنه "زلزالها الشديد الذي ليس بعده زلزال" وقول أبي حيان: "وأضيف الزلزال إلى الأرض، إذا المعنى زلزالها الي تستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها..... ولو لم يضف لصدق على كل قدر من الزلزال وإن قل، والفقر بين أكرمت زيداً كرامة وكرامته، واضح".