﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾
السؤال واضح فيه معنى العجب والدهشة، والخوف والقلق والترقب. لكن من المفسرين - كما في الجلالين - من ذهب إلى أن الاستفهام إنكاري. وهو ما لانرى وجهاً له فإن الموقف لم يعد يحتمل الإنكار وقد قامت القيامة فعلاً، بعد أن سبقت بها النذر، وتتابعت بأنبائها رسالات الدين.
والإنسان هنا هو الإنسان، على الإطلاق، تروعه الزلزلة العنيفة وما أعقبها من لإخراج الأرض أثقالها، فيسأل في دهشة وتعجب: مالها!
لكن عدداً من المفسرين ذهبوا إلى أن ﴿الإنسان هنا هو الكافر، لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون".
جاء هذا التأويل في تفاسير (الكشاف، ومجمع البيان، والجلالين) وصرح "أبو حيان" في (البحر) بأن هذا هو مذهب الجمهور، ونص عبارته:
"والظاهر عموم الإنسان، وقيل: ذلك الكافر لأنه يرى ما لم يقع في ظنه قط ولا صدقه: والمؤمن - وإن كان مؤمناً بالبعث فإنه أستهول المرأى..... قال الجمهور: الإنسان هو الكافر، يرى ما لم يظن".
ولسنا نرى وجهاً لتخصيص الإنسان هنا بالكافر، فاللغة لا تعين على هذا التخصيص، والاستعمال القرآني للفظ الإنسان لا يؤيده. ثم هو تخصيص لا يقوى به المعنى، فلأن تكون رجة الزلزلة وهول الموقف، مما يروع الإنسان على الإطلاق، كافراً كان أو مؤمناً، أقوى من أن يقتصر الدهش والعجب على الكافر وحده.
ويؤنس إلى هذا الإطلاق والتعميم، قوله تعالى في وصف الزلزلة، في آية الحج:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾
.


الصفحة التالية
Icon