وهو مذهب عامة النحاة، ويراه خاصة من فقهاء العربية مبطلاً لحقيقة اللغة: من حيث لا يمكن أن تؤدى وظيفتها في التعبير والبيان، إذا أختلطت الدلالات ولم يتميز حرف عن حرف.
وما قالوه، في أن هذا لمراعاة الفواصل، غير مقبول هنا، أو حينما قالوه في القرآن، لأننا لا نسلم، بل لا نعرف أن هذا البيان المعجز، يؤثر كلمة على غيرها لمجرد ملحظ لفظي لا يقتضيه المعنى.
ووالقول بأن "الموحي إليه محذوف، أي أوحي إلى ملائكته" معناه أن الموقف يحتاج إلى وساطة لإيصال الإيحاء إلى الأرض. وهو ما يأباه السياق الذي يقتضي عكس ذلك:
فمع بناء "زلزلت الأرض" للمجهول، ومع قوة الفاعلية المستفادة صراحة من إسناد الإخراج والتحدث والزلزلة إلى الأرض، لا وجه لتقدير وساطة الملائكة، لإيصال الإيحاء إلى الأرض التي زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، وتحدث أخبارها. فالبيان يقوم على قوة هذه الفاعلية في تصوير هول الموقف الذي يدهش له الإنسان فيقول في عجب وقلق: مالها؟! فاقتضى أن يأتيه الجواب ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ تحدث به الأرض نفسها تلقائياً، فالإيحاء هنا للأرض مباشرة ليلائم إسناد التحدث إلى الأرض، وسر قوته في هذه التلقائية المباشرة على وجه التسخير. ومن هنا كان إيثار التعدية باللام، لما في معنى اللام من اختصاص، وإلصاق، وصيرورة، وتقوية الإيصال، وهي معان عرفها اللغويون أنفسهم فيها، وعدةها فيما عدوا من معانيها التي أحصاعا "إبن هشام" في (مغنى اللبيب) وإن لم يلتفتوا إليها هنا في البيان القرآني، بل قالوا إن اللام تقوم مقام إلى، بشاهد من آية الزلزلة: أَوْحَى لَهَا.
* * *
﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾
يومئذ: كرة راجعة إلى ما قبل، يصل بها القرآن مشاهد الموقف، ويرد السامع إلى ما سبق من آيات، ويستعيد ما استقر في خاطره من نذر.


الصفحة التالية
Icon